-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحروب العالمية المائية!

الحروب العالمية المائية!

تعيش العراق في الفترة الأخيرة، واحدة من أكبر المصائب التي هزت بلاد الرافدين، التي لن يكون لها رافدٌ مستقبلا، بعد أن أصيب نهرَا دجلة والفرات بالجفاف، ضمن كارثة لم تعرف البلاد مثيلا لها في تاريخها. وإذا كانت أصابع الاتهام قد وُجِّهت تارة لإيران وأخرى لتركيا، فإن العراق التي واجهت العدوان الأمريكي لوحدها، وغرقت في الفتنة الكبرى التي حوّلت البلاد إلى أنهار من الدماء لوحدها، تجد نفسها وحيدة، وقد حرموها من الماء الذي جعل منه خالق الماء، كل شيء حيا.

مصيبة العراق أنها لم تشرب في حياتها، ولم تسقِ زرعها وأنعامها ولا حدائق مدائنها المزهرة، إلا من مياه دجلة والفرات، والصور الأخيرة الصادمة القادمة من العراق حول حالة النهرين توحي بأن سنوات الحرب والفتنة قد تم استغلالها في تجفيف الجسد العراقي، ليدخل موتا بطيئا سيجعل العراقي يقضي كل العمر بحثا عن قطرة ماء، تنقذه من الموت ولا تُحييه، مثل بقية الأمم.

ويخشى المصريون والسودانيون بدورهم أن تكون إثيوبيا بدعم من جهات معروفة، قد بلغت نقطة اللارجوع في حربها المائية بجعل سدّ النهضة، (الذي تزيد طاقة استيعابه لمياه نهر النيل سبعين ضعفا عن طاقة استيعاب أكبر سدٍّ في الجزائر وهو سدّ بني هارون)، أوكسجينَ الحياة الاقتصادية للبلاد، على حساب السودان، وخاصة مصر التي أصبحت في السنوات الثلاث الأخيرة واحدة من قوى الزراعة على المستوى العالمي بفضل مياه النيل، بعد تصدير قرابة ستة ملايين طن من المنتجات الفلاحية لمائة وخمسين دولة في العالم، وكانت لبنان قد عاشت العطش لوحدها منذ أن امتصّت إسرائيل مياه نهر الليطاني وحوّلتها إلى أرض فلسطين، حيث نافست بمياهه، في تصدير الحمضيات ومختلف الخضراوات.

التغيرات الجوية التي أوصلتنا إلى درجة الأربعين مئوية، على مشارف شهر أكتوبر، لأول مرة، تجعلنا مطالبين بخوض حرب المياه والانتصار فيها. وإذا كانت لهذه البلدان التي ظلت هِبة النيل ودجلة والفرات والليطاني، مبرراتٌ خارجية، لأنها على حدود بلدان وحكومات في أوج شغفها وذروة نموِّها الاقتصادي، فإن الأمر في الجزائر يختلف، وبإمكانها أن تؤمّن نفسَها مائيًّا إلى الأبد وبقليل من الجهد؛ فهي تطلّ على أحد أطول السواحل المائية في العالم، وبإمكانها إقامة مصانع تحلية ضخمة، وليس المصانع المجهرية التي تقيمها حاليا، وبإمكانها تحويل الأنهار الجوفية الموجودة في الجنوب، حسب الخارطة الفلاحية، والاستغلال الأمثل لمياه الأمطار والثلوج من خلال بناء سدود كبيرة في مناطق مناسِبة، كما هو الحال مع سدّ بني هارون الذي جفف وادي الرمال، ولكنه يبقى ممتلئا طوال السنة.

البلاد التي تؤمّن ماءها لن تعطش ولن تجوع أبدا، وحروب الماء التي اندلعت في الخليج وشمال غرب إفريقيا، وبلاد الساحل وحتى في أمريكا الوسطى، تؤكد بأننا أمام حربٍ عالمية مائية، لا مسلّحة ولا باردة، كما كان الشأن في القرن الماضي، ولكنها بجذور تاريخية، لأن أول حرب في التاريخ في الحضارة السومرية بالعراق وقعت من أجل الماء، وغزوة بدر الكبرى وقعت على مشارف آبار بدر، وكل الحروب الأهلية في الولايات المتحدة كانت من أجل الماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!