-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرية لا تمنح وإنما يتم انتزاعها

عيسى قراقع
  • 490
  • 0
الحرية لا تمنح وإنما يتم انتزاعها

قامت قيامة دولة الاحتلال بعد نجاح ستة من الأسرى الفلسطينيين من انتزاع حريتهم وهروبهم من سجن جلبوع يوم 6-9-2021، الأجواء في دولة الكيان الصهيوني هي أجواء هزيمة ونكسة وصدمة، استنفار عسكري وأمني برا وجوا وبحرا، انها حرب أعلنت خلالها حالة الطوارئ وجندت الوحدات العسكرية بكل تشكيلاتها في محاولة لإلقاء القبض على الأسرى الذين حلقوا في فضاء الحرية بطريقة أسطورية وخارقة، وبكل شجاعة وتحد وبطولة.

الفشل الصهيوني، وسقوط منظومة القمع الأمنية وانهيار مفهوم السجن كمكان للقمع والعزل والتدمير الإنساني، دفع سلطات الاحتلال إلى الانتقام الجماعي وبصورة وحشية غير مسبوقة من مجموع الأسرى القابعين في السجون، وتشديد الإجراءات والعقوبات التعسفية بحقهم من عزل وتنقلات وتفتيشات ومداهمات وإغلاقات، وزج وحدات القمع المدججة بكل أنواع الأسلحة في ساحات السجون.

الإرهاب الصهيوني، يتجلى بأعلى أشكاله وأدواته الآن في سجون الاحتلال، تهديدات وقمع ومضايقات وحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية للمعتقلين، كل ذلك جاء بطريقة ثأرية ردا على الهزيمة التي منيت بها دولة الاحتلال والتي كانت دائما تعتبر نفسها الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.

تحرير الأسرى لأنفسهم في سجن جلبوع ليس حدثا عاديا، انه حدث تاريخي مفصلي في حياة الشعب الفلسطيني وحياة الحركة الأسيرة، انه انتصار آخر للأسرى ينطوي على أبعاد سياسية وقانونية وإنسانية ونضالية على المدى الاستراتيجي، وأبرزها:

أولا: تحولت السجون الصهيونية وزج الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في داخلها إلى حاضنة ودفيئة للتمرد والثورة والعصيان، وإن كل الخبرات الأمنية الإسرائيلية لم تحقق أهدافها في تطويع الأسرى وتدجينهم وتيئيسهم، بل زادتهم قوة وإصرارا على انتزاع حريتهم بكل الطرق والوسائل.

 ثانيا: سقوط المفهوم الصهيوني، للسجن كمكان لهدم البشر وإعدام الروح والعقل والنفس والمشاعر وتفسيخ الجسد والأحلام والإرادة، فلم ينجح السجن في تحويل زمن الأسير إلى زمن ثقيل ومتنائي وبديلا لحبل المشنقة.

ثالثا: فشل مؤسسة السجن الصهيونية، هو فشل مجتمع الاحتلال بكل مؤسساته الأمنية والعسكرية والقضائية والتشريعية في القضاء على تطلعات الشعب الفلسطيني العادلة وسعيه للحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.

رابعا: فشل مؤسسة السجن الصهيونية، هو فشل لكل المخططات والبرامج التي عملت منذ قرون على صنع ما يسمى الجسد الانضباطي للأسير، الخانع والمستسلم، المكتفي بالرفاهية الشكلية، بالطعام والشراب والكنتين وتحويل وقته إلى وقت استهلاكي على حساب كرامته الإنسانية وحريته.

خامسا: فشل مؤسسة السجن الصهيونية هو فشل لسياسة هندسة واقع الشعب الفلسطيني ثقافيا ونفسيا وسياسيا، فالسجن ببنائه وتركيبته هو صورة مصغرة عما يطبق على الشعب الفلسطيني في خارج السجن من فردنة ومعازل ومراقبة وفصل وإقفال وتقطيع الفضاء والوقت، فالسجن نظام بصري مرئي قبل أن يكون صورة حجرية، ترك نسخته على الواقع الفلسطيني الذي يتعرض لاختبارات صهيونية وأمريكية من اجل تأهيله وتنميطه لقبول الأمر الواقع أو ما يسمى الطواعية الآلية.

سادسا: فشل مؤسسة السجن الصهيونية هو فشل لنظام العقوبات الإسرائيلي وقوانينه الحربية والعنصرية التي تطبق على الأسرى من اعتقالات إدارية وتعذيب نفسي وجسدي وتنكيل وإهمال طبي ومحاكمات غير عادلة، وغيرها من الجرائم الممنهجة المخالفة للقوانين الدولية والكفيلة أن تحول من في السجون إلى قنابل بشرية.

سابعا: فشل مؤسسة السجون الصهيونية هو فشل لسلطة الأيديولوجيا الصهيونية الاستعمارية القائمة على التطرف والعنصرية والكراهية، والتي تنظر إلى الأسرى كإرهابيين وصراصير يجب قتلهم وخنقهم بالغاز السام ونزع مشروعية نضالهم الوطني والإنساني، فأسلاك الأيديولوجية الصهيونية أشد قوة من أسلاك السجن.

ثامنا: فشل مؤسسة السجن الصهيونية هو فشل سلسلة القيود التي حاول المحتلون خلالها تقييد أفكار الشعب الفلسطيني وإعادة بناء جسمه الاجتماعي ليقودوه كالعبيد، فلم تستطع تقنيات المحتلين المتطورة ولا مكونات السجن البنائية والوظيفية والمعمارية من السيطرة على الأسرى وترويضهم ومواجهة إبداعاتهم الثورية في المواجهة والمقاومة.

كل أسير فلسطيني يفكر بالحرية والخروج من السجن، من لا يفكر بذلك يكون عبارة عن جثة بلا روح، وفي عقل كل أسير مفتاح لكل نافذة وباب وجدار، نظراته دائما تبحث عن شقوق تطل على السماء والفضاء، يتطلع صوب الباب، وكما قال الشاعر احمد شوقي: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، والأسير الذي لا يستطيع الهروب من السجن فإنه يهرب نطفة أو كتاب أو شهادة جامعية أو قصيدة أو رسالة أو خاطرة مشتعلة.

الحرية هي كل ما يفكر به شعب يخضع للاضطهاد والاستعمار، وانه لا يوجد أثمن وأغلى من الحرية، هذه الحرية التي لا تمنح ولا تعطى وإنما تنتزع انتزاعا، ولا يمكن لأي محتل مهما بلغ جبروته وطغيانه وتفنن في بناء السجون والثكنات أن ينتصر على شعب قرر الخلاص من قيود الاحتلال.

إن عجزت الأيادي السياسية وأيادي المجتمع الدولي على إنقاذ الأسرى وتوفير الحماية لهم ورفع المعاناة عنهم، فأيدي الأسرى ليست عاجزة، فقد دقت على الإسمنت والحيطان، حفرت ورسمت خارطة أخرى للطريق والعبور، الأسرى يعرفون المسافات والاتجاهات والأعماق، نقطة الضوء تشع في عيونهم الحبيسة، حقول وأشجار مدينة بيسان المحتلة وهواء البحر تغمر صدورهم لتندفع أنفاسهم الطليقة.

هروب ستة أسرى وانتزاعهم الحرية يعني أن السجن لا يحمي السجان، ونظام الاحتلال لا يحمي المحتل ويوفر الشرعية له، فالسجن هو مجتمع الجلادين الإسرائيليين بشمولية، مجتمع المخابرات والبوليس والسجانين المذعورين، مجتمع لا يستطيع التصدي لأسير اعزل استطاع أن يفرض حالة الطوارئ والحصار على تل أبيب.

فشل السجن الصهيوني، هو فشل هذه القلاع والحصون والمعسكرات في تغيير تطلعات الأسرى والتأثير عليهم والسيطرة على سلوكهم، سقطت فعالية اثر السجن على الأسرى، فالإحساس بالظلم وبانغلاق المكان والزمان، بانغلاق الأفق السياسي يؤدي إلى الانفجار، الأسرى كسروا المغلق وفتحوا في هيكل السجن نفقا أطل على الحياة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!