-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحساب بأثر رجعي

الحساب بأثر رجعي

الأمطار الأخيرة، التي شهدتها معظم ولايات الوطن، كشفت أن الثوب القديم المزركش الذي لبسه المسؤولون المحليون منذ عقود، مازال يصنع هندامهم العامّ، ولا شيء تغيّر من الداخل، ضمن المعادلة القديمة الجديدة، التي يحفظها الجزائريون: “ياللي مزوّق من برّا واش حالك من داخل”.

لقد تحوّلت أحياء دُشّنت منذ أسابيع، إلى مستنقعات، وتحوّلت طرقات سُلّمت، منذ أشهر قليلة إلى مقابر للسيارات ولسائقيها، وسقطت أعمدة كهرباء وانفجرت قنوات غاز وماء وصرف صحي، كما تهاوت بيوتٌ في مشاهد جعلت البعض يتساءل عن ضمير منجزي هذه المشاريع، وأيضا عن سبب عدم استدعائهم وحتى مقاضاتهم ولو من طرف من يسمّون المجتمع المدني، لأن الذي بنى الجدار الذي سقط على رأس تلميذ تيبازة، أو الذي سمح لأبناء أرياف قالمة ببناء أكواخ على حافة الوادي، الذي جرف ابنة قالمة، هم بالتأكيد موجودون ومعروفون، ويحفظون عن ظهر قلب، ويتغنّون بمقولة فاروق الأمة عمر بن الخطاب عن خشيته من الحساب الإلهي، على خلفية تعثُّر دابة لم يُصلح لها الطريق.

لا يكفي أن يفوز أيُّ مقاول بصفقة بطرق قانونية، كأن يكون صاحب أهمّ عرض مالي والأسرع في تنفيذ مشروعه، حتى تمنحه السلطات كل الحرية في العمل، من دون مراقبة دائمة ولا ضمان لما بعد الخدمة، ونستغرب كيف يشتري مواطنٌ مكيّفا هوائيّا أو ثلاجة صغيرة أو مجفف شعر، بسعر لا يزيد عن أربعين ألف دينار جزائري، مع ضمان لمدة سنتين وأحيانا أكثر، ولا تشترط السلطات أي ضمان من مقاول ينجز مدرسة أو مشفى أو طريقا عموميا أو مجمعا سكنيا بآلاف الملايير، فيغرق في “شبر ماء”، من دون متابعة ولا حتى سؤال أو عتاب!

قدّم المواطنون خلال الأيام الماضية عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لقوارب تُنقذ المواطنين من قلب أحياء سكنية في عواصم الولايات، لم تمرّ سوى بضعة أسابيع على تسليمها، وعن جدران وطرقات تهاوت ولم يمض على تسليمها أكثر من أيام قليلة، وهناك من قدّم خدمة إعلامية كاملة عندما راح يسمي الشركات المنجِزة، ويقدِّم صور ما قبل وما بعد التشييد وتاريخ تسليمها الجديد، ولكن المواطن البسيط الذي من حقه أن يتابع مقاولا أهدر المال العامّ في مشاريع مغشوشة، مازال يعيش في نقطة الحسرة والتعليق بالقلب فقط تجاه رؤيته للمناكر، وذاك أضعف الإيمان، دون خطوة التغيير باليد أو باللسان لدى العدالة الجزائرية.

عندما تشاهد طريقا بعشرات الكيلومترات وبملايير الدينارات، ينهار تحت زخات المطر، فإن أي حديث عن إنجازات قادمة، ستضعك في حالة شك، فلا ضامن سوى متابعة المخطئين، في الحاضر وفي المستقبل وأيضا بأثر رجعي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!