الرأي

الحصار‮ ‬في‮ ‬غزة‮ ‬والظلام‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮!‬

محمد يعقوبي
  • 4957
  • 16

ما رأيكم في أناس يؤذن المؤذن، فيخرجون إلى الشارع يحتجون ويقطعون الطريق.. أكيد أن هؤلاء ليسوا بمجانين، فثمة دوافع قوية تجعلهم يتركون موائد الإفطار في شهر الصيام، ليحرقوا العجلات في الطرقات ويستنشقوا سُمّها عوض استنشاق روائح البوراك والنعناع والمشويات.. إنها انقطاعات الكهرباء لحظة يؤذن المؤذن، تشعر حينها أن من يحكمون رقابك من المسؤولين يحتقرون فيك حتى كرامة الإنسان، لدرجة أنهم يقطعون عنك الكهرباء في درجة حرارة تجاوزت الـ40 أو يسمحون بانقطاعها بطريقة لم نعد نفهم هل هي مبرمجة أم عشوائية؟!

ولسوء حظ الحكومة أو لسوء حظنا جميعا أن هذه الانقطاعات تأتي وتتوافق مع موجة حرارة كبيرة، ماجعل الصغار والكبار والأصحاء والمرضى يدفعون الثمن غاليا، في شهر تزداد فيه تكاليف الحياة ومصاريف البيوت ومتاعب المرضى، وتتضاعف حاجة الإنسان للراحة والسكينة بعد يوم من الصيام والقيام.. لكن المسؤولين عندنا ما يهمهم في هذا الشهر أن لا تنقطع الكهرباء عن بيوتهم وأطفالهم، وليذهب الباقون إلى الجحيم أو هكذا يقول لسان حالهم!.. ووددت أن أسأل واحدا منهم وليكن وزيرهم الذي علمهم قطع الكهرباء عن الناس ليلا ونهارا حتى وهم يفطرون، وددت أن‮ ‬أسأله‮ ‬عن‮ ‬شعوره‮ ‬إذا‮ ‬انقطعت‮ ‬الكهرباء‮ ‬عنه‮ ‬وعن‮ ‬أولاده‮ ‬وهم‮ ‬حول‮ ‬مائدة‮ ‬الإفطار؟

وأجزم‮ ‬أنها‮ ‬لن‮ ‬تتجرأ‮ ‬على‮ ‬الانقطاع‮ ‬على‮ ‬أصحاب‮ ‬المعالي‮ ‬ومن‮ ‬يلونهم‮ ‬ومن‮ ‬يلونهم‮..‬

الكارثة التي لا يشعر بها أصحاب المعالي وهم يقعطون الكهرباء على خلق الله، أننا في شهر الصيام وفي موسم حر لا تطيقه الجبال، فانقطاع الكهرباء يعني بالضرورة توقف المكيفات، وذلك يعني – يا معشر المسؤولين – تعريض حياة الكبار والصغار والمرضى للخطر، وانقطاع الكهرباء‮ ‬يجعل‮ ‬ربات‮ ‬البيوت‮ ‬يندبن‮ ‬حظهنّ‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬حَوََت‮ ‬ثلاجاتهن،‮ ‬ويجعل‮ ‬التجار‮ ‬وأصحاب‮ ‬المحلات‮ ‬يخسرون‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬عرقهم‮ ‬دون‮ ‬وجه‮ ‬حق‮.‬

عندما تسأل المسؤولين عن المشكلة يقولون لك إن طاقتنا الانتاجية من الكهرباء، أقل من الطلب عليها، وتبرير كهذا يصيبك بـ “الشقيقة”.. فعيب وعار على من يقول هذا الكلام أن ينسى أن إمكانات الجزائر تستطيع أن تضيء المنطقة العربية كلها، ووحدها إمكانات الطاقة الشمسية لو‮ ‬استغلت‮ ‬تستطيع‮ ‬حل‮ ‬مشاكل‮ ‬الشمال‮ ‬الإفريقي‮ ‬كله‮…‬

لكننا في الوقت الذي كنا ننتظر أن تساعد حكومتنا قطاع غزة وتخرجه من ظلمته من خلال إمداده بشيء من الوقود الطاقوي، وجدنا أنفسنا نحن الجزائريين في حاجة إلى من يمدنا من الجيران بالكهرباء، بل أصبحت الكهرباء تنقطع عنا في الجزائر أكثر من انقطاعها عن سكان غزة المحاصرة، وأصبحنا في الهم سواء، بعد أن كنا نأمل أن نخفف عن إخواننا شظف العيش وظلمة الليل، وإنه لعار على مسؤولينا أن يحولوا حالنا إلى هذا الجحيم المظلم ونحن نرى جيرانا لنا أرهقت كاهلهم الثورات والأزمات والاقتتالات، أفضل منا حالا، على الأقل لا يبيتون في الظلام الدامس‮ ‬كما‮ ‬نحن‮.‬

نعم، حري بنا أن نعتذر لغزة ليس لأننا لم نساعدها بالكهرباء، ولكن لنقول لها “نحن عاجزون عن توفير الكهرباء لأنفسنا وإن حالنا من حالك.. “فاعذرينا”.. وربما لو كان حالك على غير هذا الحال لما استحيينا أن نطلب منك مدنا بشيء من الكهرباء، لأن المسؤولين عندنا باعوا شعبهم‮ ‬للفقر‮ ‬والظلام‮ ‬والحاجة،‮ ‬وأموال‮ ‬هذا‮ ‬الشعب‮ ‬تكفي‮ ‬لنضيء‮ ‬ماحولنا‮ ‬من‮ ‬دول‮.‬

من غريب الصدف التي حدثت لي، أنني وأنا أكتب هذا العمود عن انقطاع الكهرباء، انقطعت عني الكهرباء في مكتبي مرتين، فكنت كمن يلعن الظلام في الظلام بالظلام، وقلت في نفسي “سبحان الله” حتى الكهرباء تحاول أن توغر صدري ضد المسؤولين الذين يقطعونها عنا دون رحمة ولا شفقة‮.‬

ولكن‮..‬

قد‮ ‬أسمعت‮ ‬لو‮ ‬ناديت‮ ‬حيا

ولكن‮ ‬لا‮ ‬حياة‮ ‬لمن‮ ‬تنادي

ونار‮ ‬لو‮ ‬نفخت‮ ‬فيها‮ ‬لأوقدتها

ولكنك‮ ‬تنفخ‮ ‬في‮ ‬الرماد

مقالات ذات صلة