-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مقدّمة حركة القرآن المجيد في النّفس والمجتمع والتّاريخ

الحلقة (33): ولا تنســوا الفضل بينكم

أبو جرة سلطاني
  • 1009
  • 0
الحلقة (33): ولا تنســوا الفضل بينكم

أثّر في مسار هذه المحاولة سبعة مفسّرين قد علم كلّ واحد منهم مشربه: ابن جرير الطّبري (المتوفى سنة: 310هـ) بجامعه المأثور، مع ما فيه من إسرائيليّات! وأبو محمّد بن مسعود البغوي (المتوفى سنة: 516هـ) معالم التّنزيل لسلامته من البدع وخلوّه من الأحاديث الموضوعة ولزومه السنّة في المنهج والاعتقاد والتّحرير. والقرطبي (المتوفّى سنة: 671هـ) لمَا اختصّ به من فقه رشيد لكلام الله وقول سديد في استنباط الأحكام من النّصوص وتتبّع أدلّتها وتقصّي شواهدها. فتفسيره اسم على مسمّى جامعٌ لأحكام القرآن.

وابن كثير الدّمشقي (المتوفّى سنة: 774هـ) في تفسيره للقرآن العظيم مع ما تضمّن من تكرار، والشّيخ الطّاهر بن عاشور التّونسي المغاربي (المتوفّى سنة: 1393هـ) في تحريره وتنويره ونظراته المقاصديّة. وسيد قطب (أعدم سنة: 1386هـ) في ظلاله وجمال لغته ووضوح تصوّره وصفاء ذهنه.. مع شيء من التّشدّد المغمور في بحر حسناته. والشّيخ الشّعراوي (المتوفّى سنة: 1419هـ) في خواطره وما تجلّى له من أنوار المعرفة وأطايب الثّمار. فرأيت من الوفاء لأهل الفضل الإشارة إلى الاقتباس من هذه الأنوار الإيمانيّة في بعديْها الاجتماعي وعمقها المقاصدي، بما يتناسب ومقتضيات حركة التّجديد الإسلامي في الفهم والخطاب والدّعوة والبناء والشّهود الحضاري، وفي حركة الحياة كلّها. بتحريك آي الذّكـر الحكيم في النّفس والمجتمع والتّاريخ على مستوى الخطاب الدّعوي الذي صارت الأمّة كلّها بحاجة إلى تجديد وسائله والنّظر إليه من زوايا متحرّكة مع حركة الحياة نفسها في مدّها وجزْرها وخيرها وشرّها وحلوها ومرّها.. في باحات إنسانيّة واسعة ذات بعد عالمي فرضته حركيّة الحياة المعاصرة وتشابك مصالح البشريّة فوق هذا الكوكب.

هذا التّخصيص ليس حصريّا؛ ولا يعني أبدا أنّ هؤلاء السّبعة جمعوا فمنعوا، أو أشرقوا فغطى سناهم على من سبق وعاصر ولحق بالرّكب، إنما قصدت الأشجار التي تفيأت ظلالها في جنّة دنت قطوفها وليس في العمر ما يضمن جنْيها إلاّ بما يستوعب به المسلم البُعد العالميّ لهذا الدّين فينقل أطيب ثماره إلى البشريّة طيّبة شهيّة، بلغة سهلة ميسورة يفهمها هذا الجيل والجيل الذي يأتي بعده.

طمعًا في مرضاة الله أوّلا، ثم في كرمه -جل جلاله- بأنْ يُسهمني بفضله الكريم في جهد إعادة بعث خير أمّة أراها تدلف إلى خيريّتها الأولى وتجمع شروطها لتستأنف دورة جديدة للإسلام سيكون لها مع تاريخ الإيمان موعدٌ قبل قيّام السّاعة، إن شاء الله. فوعد الله حقّ، فقد قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: 110)، وفي السّورة نفسها قال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104). وقد مضت الأمّة التي زكّاها بالخيريّة بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾، ونحن ننتظر امتدادها في أمر قادم بوعد الله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ﴾.

ففي وصف الأمّة الأولى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، فزكّى فيها ثلاث مناقب: الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والإيمان بالله. ثم ترك باب الخيريّة مفتوحا على المستقبل بالشّروط نفسها: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر﴾، فجعل شروط الكينونة المتجدّدة دعوة إلى الخير، والخير العام هو الإسلام. ثم أمرا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. فإذا تكاتفت جهود الدّعاة والعلماء ذُللت الصّعاب وفُقه الواقع وفُتحت العقول على فهم جديد لحركة الوحي في النّفوس والمجتمعات والدّول والتّاريخ، وحصل المرغوب، وتأسّست حركة صحوة واعيّة بمشكلات الحاضر ومدركة لتحدّيات المستقبل، واتّسعت فروض الكفاية لتغطّي مساحات الفراغ في حياتنا الاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة والاقتصادية التّنمويّة وافنيّة.. ورابطت الأمّة كلّها على ثغورها المفتوحة لحراسة الدّين وسيّاسة الحياة به. إذا حصل هذا أعيد -بإذن الله تعالى- التّأسيسُ الذي تتحقّق به خيريّة هذه الأمة ويصلح حالها بما صلح به حال أوّلها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!