-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما لا يقال

الحمار الذي أحرق نفسه؟!

الحمار الذي أحرق نفسه؟!

حين فكرت في الكتابة عن “مجتمع الحيوانات” وحقوقهم في المجتمعات العربية وجدت نفسي مترددا ما بين الحديث عن الجمال أو الحمير، فهي من وسائل النقل التي أُقحمت في رياضة العقل العربي.

  • من ثوار المهاري إلى باعة أبوال النوق!
  • خصص المرحوم الليبي المشيرقي فندق المهاري بطرابلس لاجتماعات قيادات الثورة الجزائرية، ودخلت “المهاري” في تاريخ الثورات مثلما دخلت ناقة النبي محمد (صلعم) في تاريخ حقوق الحيوانات واحترام الإسلام لـ”خياراتها” في التموضع بين المتنافسين على استضافة النبي.
  • وبدأت الأبحاث حول أهمية ألبان الناقة فتبين من بحث قدمته الدكتورة أحلام العوضي في مجلة “الدعوة”  في أفريل 2004، أن لحليب الإبل فوائد في معالجة بعض الأمراض.
  • لكن “العقل الطبي” العربي وجد في حديث رواه البخاري ومسلم ما لم يجده في البحوث الميدانية، وهو يفيد أن قوما دخلوا المدينة النبوية فمرضوا فأشار عليهم النبي محمد (صلعم) بـ”الشرب من ألبان الإبل وأبوالها فصحوا وسمنوا، وتنتهي قصة الحديث بأنهم ارتدوا وأنهم قُتلوا”.
  • صحيح أن الطبيب ابن سينا قال”أنفع الأبوال: بول الجمل الأعرابي وهو النجيب” وصحيح أن كتاب “الإبل أسرار وإعجاز” لضرمان بن عبد العزيز آل ضربان يحاول أن يؤكد أهمية البول في التداوي والمعالجة، ولكن السؤال لماذا لم يتحول “البول” إلى دواء يباع في الصيدليات مادامت له القدرة على معالجة الأمراض الجلدية كالإكزيما والحساسية والجروح و الحروق وحب الشباب وإصابات الأظافر والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وحالات الاستسقاء؟!
  • لو أن أبوال النوق تطيل الشعر وتكسبها الشقرة واللمعان لتهافتت عليه مؤسسات غسيل الشعر.
  • المفارقة هي أن ألبان النوق صارت تباع في الأروقة مغشوشة، وأبوال النوق صارت تباع في مداخل الولايات الصحراوية بالجزائر وأسعار الألبان تبدأ من 500 دينار جزائري وأسعار البول (أكرمكم الله) تبدأ من 250 دينار جزائري ومادام الطبيب يهان في الجزائر فمن الطبيعي أن تصير الشعوذة طبا.
  • ويبدو أن وضع الإبل في الوطن العربي أفضل من وضع الحمير التي ورد ذكرها في القرآن الكريم بسبب أصواتها. ولعل هذا ما دفع بأحد الشبان إلى حرق حمار والتلذذ بصوته وآلامه ورائحة لحمه، وقام شاب جزائري بتوزيع شريط الفيديو فأثار الرأي العام في الخارج عبر الفايسبوك وتم منع تداوله، وقامت “حرب داحس والغبراء” بين شبان جزائريين ومغاربة، كل طرف يتهم الآخر بحرق الحمار، وتتبعت المعركة فأدركت أنها “حرب إعلامية” يديرها النظامان القائمان في المغرب والجزائر سعيا إلى زرع الفتنة بين جيلين ليسا طرفا في الأزمة بين البلدين. لأن الحمير التي تدرب على التهريب بين حدود البلدين هي آخر ما بقي في العلاقة بين النظامين المستفيدين من غلق الحدود.
  • وما جلب الانتباه أن خبر حرق الحمير استقطب قراءً له وصل عددهم إلى 50 ألف متصفح، وهو أول خبر في الوطن العربي يحظى بمثل هذا الإقبال، بالرغم من أن “معركة أم درمان” وصلت أخبارها في الشروق اليومي إلى ما يقرب من 35 ألف زائر على (الشروق أون لاين)
  • وتم تسويق إشاعات في المغرب العربي تقول إنه حمار “البوعزيزي” تحرر من قبضة الرئيس التونسي الهارب فلجأ إلى الجزائر أو المغرب لمعرفة أحوال “مجتمع الحمير” فتم القبض عليه وحرقه حتى لا تكون هناك عدوى للثورة التونسية على الشعبين الجزائري والمغربي.
  • وفي رواية أخرى قيل إنه أحرق نفسه حين رأى المواطنين يحرقون أنفسهم وأولادهم أو يسلمون أنفسهم لأمواج البحر في رحلة للموت.
  • وقصة الحمار الذي أحرقه الشباب دفعتني إلى البحث عن أساب التلذذ بالحرق.
  • من جحش أبوليوس إلى حمار الثورة
  • وليس صدفة أن يتجاهل النقاد في العالم ومنهم النقاد العرب، أن أول رواية في تاريخ البشرية ظهرت في الجزائر وكتبها أبوليوس، لكن مادام اهتمام العرب بأبوال الإبل وبالحصان العربي فقد تجاهلوا الحمار، والرواية موسومة بـ(تحولات الجحش الذهبي) وأول من ترجمها هو المفكر الليبي فهمي خشيم، وترجمها بعده المرحوم أبو العيد دودو.
  • والترجمتان تتجنبان الفصل الأول من الرواية الذي يتحدث عن (الحيوان والجنس)، وهو يذكرنا بفيلم إيطالي نال السعفة الذهبية لمهرجان كان عنوانه (الأب السيد).
  • ومن يقرأ الأدب العربي يجد أن الحمار حظي باهتمام أكثر مما حظيت به الإبل. فالكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم له حمار سماه “حمار الحكيم” وهو من أهم الأعمال الأدبية، والكاتب الجزائري أحمد رضا حوحو كان يستمع إلى الحمير عبر (حماري قال)، وحتى جيل السبعينيات من الشعراء أمثال محمد زتيلي وجد في الحمار متنفسا عما يفكر فيه، وفضلت إحدى ضابطات الشرطة أن تتفرغ للكتابة عبر حمارياتها، وهي من شاعرات الثمانينيات اللواتي يمثلن تجربة جديرة بالتوقف عندها.
  • والحمار صار عملة صعبة في “الحرب الأفغانية”  ضد الاتحاد السوفياتي سابقا، حيث كانت الطائرات السعودية منشغلة بنقل الحمير إلى مجاهدي أفغانستان، وبالتالي فالحمار أول من حارب الشيوعية.
  • وفي الجزائر عاش الحمار 132 سنة تحت الاحتلال الفرنسي وكان رفيق الفلاحين والتجار في الجبال وكانت تنافسه الإبل في الصحراء، وحتى الآن ما يزال الحمار هو الوسيلة الوحيدة في نقل القمامة في القصبة القديمة بأزقتها الضيقة، بالعاصمة الجزائرية.
  • ويقول من شاركوا في مؤتمر الصومام لـ20 أوت 1956 أن الفضل في عدم وصول الفرنسيين إلى وثائق المؤتمر يعود إلى الحمار الذي استطاع أن يتسلل داخل الغابات وينقذ الثورة من الجيش الفرنسي.
  • لكن هناك من يقولون بأن (البوغازيين) أو البلطجية أو الشبيحة كانوا يستخدمون الحمار في العراك بينهم بحيث يقومون بتلوينه وضربه أو تبادل الضرب عليه.
  • لكن تجار رمضان الكريم وجدوا في الحمار ما يجعلهم يحتالون على الشعب ببيع لحمه، ليس لأصحاب الحيوانات المفترسة وإنما للمواطنين، ولهذا ارتفع سعره في الأسواق مثلما ارتفع سعر أبوال النوق.
  • وسألت الرئيس علي كافي عن قصة الحمار الذي هرب وثائق الثورة فتجنّب التفاصيل فيه، فحاولت إحراجه عن رأيه في مشاورات لجنة عبد القادر واحتمال دعوة الرئيس بوتفليقة له للتشاور حول إصلاحاته، فأجاب ببرودة “هذه المشاورات لا تعنيني” لا من قريب أو بعيد.
  • ويظهر أن الرئيس بوتفليقة إذا فكر في دعوة زملائه الرؤساء، فالهدف ليس التشاور وإنما “نزع الاعتراف بإصلاحاته بعد أن فشلت على مستوى هيئة المشاورات” وأستبعد أن يلبي الرئيس كافي والرئيس اليامين زروال الدعوة، ولكنني لا أستبعد أن يلبي الرئيسان أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد هذه الدعوة.
  • وللحديث بقية…
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • sabrina

    انا مفهمت والوا فهدا البيام قع مخلط ملي بدا حتي وان خلاص نقلكم ربي نجحنا برك

  • فايق

    يا دكتور : مقالاتكم ليست موجهة للعامة فهي تتطلب مفسرين . والذين تقصدونهم بها هم طبقة أمية يملكون شهادات جامعية ليلية من حقبة الثمانينيات . أتذكر حين يتوجه الرئيس الشادلي بخطاب "بالعربية" للأمة اليوم يمر أسبوع بعده تتولى قيادات الحزب مهمة شرح الخطاب " للقاعدة " . و المضحك المبكي أن المفسرين لخطاب الرئيس منهم من لا يملك حتى شهادة ميلاد كاملة المعالم و أن المستمعين للتفسير " الإجباري" منهم الجامعي و الثانوي ....

  • دحمان

    لا تنس كيف ردت وزيرة الثقافة على الرئيس بن بلة في خصة شاهد على العصر .!

  • علي الدهماني

    السلام
    الاخ الكاتب عبدالعالي لقد اتحفتنا بعدة مقالات رائعة عن الثورة في ليبيا وثوار الناتو ولكن ماذا عن الثورة في سوريا نتمنى ان نرى حماستك في الموضوع الليبي نراه في مواضيع اخرى مثل ما يحدت في قطر وخاصة مظاهرات يوم 27/6 القادم دكرى انقلاب قطر؟!