الرأي

الحنين إلى العهد “العثماني”!

زيارتا الرئيس الفرنسي “ماكرون” السابقة، والرئيس التركي “أردوغان” الأخيرة إلى الجزائر، بيّنتا أن المرض هنا في الجزائر، ولم يكن أبدا في باريس أو أنقرة.

وإذا كانت فرنسا لا ترى في الجزائر أكثر من غنيمة حرب، ظنا أنها وضعت أوزارها منذ قرابة ستين سنة، ولا ترى فيها تركيا غير سوق كبير تُغرقه بالخدمات وبـ”الشيفون”، فإن بعض الجزائريين، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وحتى على صفحات الجرائد، دخلوا في سِجالات بلغت حدّ التنابز بالألقاب، والسخرية من بعضهم البعض، بالمرافعة لباريس وإظهار الحنين لعهد ظنا أنه ولّى إلى الأبد تارة، أو إظهار الولاء لدولة عثمانية انقرضت منذ قرنين، ومبايعة سلطان غير موجود ولن يكون أبدا تارة أخرى، فأكدنا المعادلة الحزينة التي صدَمَنا بها المفكر مالك بن نبي ذات محاضرة، عندما خلُص إلى أننا شعب له قابلية للاستعمار.

سيكون من “الخبل” اعتبار الفترة التي رُزئت فيها الجزائر بالحكم العثماني، بالزاهرة، و”الافتخار” بما كان يقوم به الأسطول العائم في البحر الأبيض المتوسط والسلاطين الباحثين عن “الحريم”، وسيكون من “الخيانة” اعتبار ما أنجزه “الاستدمار” الفرنسي “استعمارا وعُمرانا”، والافتخار  بتلك الحقبة التي كانت للنار وللموت فقط، وسيكون من “الانتحار” و”الإلقاء بالنفس إلى التهلكة” التصارع لأجل نصرة فرنسا وفتح أبواب الجزائر على مصراعيها للبضاعة الفرنسية، أو تسليم البلاد على طبق لتركيا التي تريد مدّ قدميها في القارة السمراء ووجدت ضالتها في الجزائر، أو هكذا خُيّل لها.

بيّن التاريخ دائما أن فرنسا، تدور حيثما دارت مصالحها، ولم يُضبط أي رئيس فرنسي أبدا، سابحا ضد تيار بلاده، والمواقف المعلنة والمدعِمة لوجيستيكيا وماديا في مالي وسوريا وليبيا، لم تكن أبدا من أجل دعم “الديمقراطية”، فقد استعان ساركوزي بأموال القذافي لبلوغ السلطة، ثم استعمل نفس الأموال لمطاردته، وكان أردوغان صديقا حميما للنظام السوري كما كان الشيخ القرضاوي مُنظرا لبشار الأسد، وعندما تهاوى الحكم في دمشق بحثت تركيا عن نفسها على أنقاض عاصمة الأمويين، مدعمة مسعاها بفتاوى الشيخ يوسف القرضاوي، الذي تحوّل في “لمح منبر” من مبايع للأسد إلى مبشّر بسقوط بشار، فكان واضحا أن ماكرون وأردوغان متفقين تماما على أن مصلحة بلديهما وشعبيهما فوق كل اعتبار.

مازلنا ننتظر بصبر بدأ ينفد، مسؤولين كبارا يشقّون أرجاء العالم بحثا عن مصالح بلادنا، ولا ينتظرون قدومهم من مختلف القارات بحثا عن مصالح بلادهم، وأن لا تتكرر تجربة حقول البترول التي جنى منها الكنديون واليابانيون والإسبان والإنجليز ولن نذكر هنا فرنسا، ملايير الدولارات، وكانت النتيجة أن جفت الآبار وما ارتوى الجزائريون، ومازلنا ننتظر، مواطنين يتفاخرون بإنجازات الجزائريين وبرجالات الأمة، ولا يدخلون في سجالات إعلامية وإلكترونية دفاعا عن “ماكرون” أو “أردوغان”، لأن للرجلين من يدافع عنهما في بلديهما، ولن يهمهما إن كان لهما نصير ومريد في قسنطينة أو في وهران!

مقالات ذات صلة