الرأي

الحوار.. لا “القزول”

حسين لقرع
  • 2141
  • 9

تؤكد طريقة معالجة أحداث تڤرت أن هناك خللاً كبيراً في التواصل بين السلطة والمواطنين بمختلف أنحاء الوطن، ونقصاً في الحوار، وغياباً للثقة بين الطرفين.

لقد أظهرت طريقة معالجة الاحتجاجات الشعبية المتفاقمة التي أصبح عددُها يتجاوز الـ10 آلاف سنوياً، وهو بالمناسبة رقمٌ مهول يستدعي القيام بدراساتٍ اجتماعية وسياسية معمّقة، أن الحوار غائبٌ بين السلطات والشعب، حتى على المستوى المحلي، ولو كان الحوار والتواصل قائمين بشكل فعّال، لما احتاج وزيرُ الداخلية والمسؤولون السامون فيالدولة في كل مرة إلى التنقل إلى مختلف مناطق الوطن وإعلان الاستجابة لمطالب المحتجّين وانشغالاتهم لتهدئة الأوضاع وامتصاص غضب المواطنين.

 هل كان حتماً مقضياً أن يُقتل ثلاثة مواطنين ويُجرح 52 آخرون في مواجهات دامية بتڤرت، حتى يعلن وزير الداخلية الاستجابة َ للمطالب العادلة والمشروعة لشبّانها؟ ماذا طلب هؤلاء غير حقهم في الحصول على أراضٍ للبناء وماء الشرب والشغل في عاصمة البترول؟ هل هذه مطالب تعجيزية حتى تقابلها السلطات المحلية باحتقارٍ وتجاهل أثارحفيظة السكان ودفعهم إلى الدخول في مواجهات عنيفة مع الأمن؟

 يمكن أن نفهم تشدّد السلطات المحلية بالعاصمة والمدن الكبرى الآهلة بالسكان في توزيع قطع أرضية للبناء بسبب ندرة الأوعية العقارية فيها، ولكن كيف تكون هناك مشكلة ندرة عقار في تڤرت والصحراء الكبرى حتى تتماطل سلطاتها المحلية في الاستجابة لمطالب شبانها وفي الوقت نفسه تمنح الهكتارات للنافذين تحت غطاء “الاستثمار”المزعوم؟

 لو كانت هذه السلطات تعقل، لاستجابت لطلب شبّانها وعملت على مساعدتهم بمِنَح البناء الريفي لتثبيتهم في مناطقهم، ولكنها تماطلت ولم تحاور المحتجّين بالجدية اللازمة وفضلت الحل الأمني للاحتجاج، بعد أن تفاقمَت المظاهرات وأغلق الشبان المحتقنون الطرقات الرئيسة للمدينة، فحدثت المأساة.

 لا بدّ أن تعيد السلطة النظر جذرياً في كيفية معالجة الاحتجاجات وتتوقف عن تسييرها أمنياً، هناك سوء تسيير واضح لمقاليد البلد وتوزيع غير عادل لثروات الشعب وفسادٌ ونهب بحيلٍ مختلفة، ومن غير المعقول أن تعمد السلطة إلى معالجة نتائج ذلك بـ”القزّول”؛ فمن الطبيعي أن يخرج المواطنون للاحتجاج على ما يرونه من اعوجاج ويطالبونبالتوزيع العادل لقطع الأراضي والسكنات الاجتماعية ومناصب الشغل والكفّ عن الظلم ومحاباة الأقارب والأصدقاء واستعمال النفوذ للحصول على مكاسب غير مستحقة… على السلطات العمل على معالجة الأمر جذرياً من خلال محاربة تفاقم الفساد وتغوّل النفوذ وليس معالجة نتائجه الوخيمة بهراوات الشرطة.

 ليس من الحكمة أن تواجه السلطة مطالب المواطنين بالأمن، إلا من باب الاستثناء والضرورة القصوى.. هذه المطالب ينبغي معالجتُها بالتي هي أحسن، أي بالحوار والتقرّب من المواطنين؛ وإذا كان بمقدورها تلبيتها فلتفعل في الوقت المناسب، فذلك أفضل من أن تمتنع عن تلبيتها وتماطِل وتسوّف من دون وجه حق، ثم تفعل ذلك تحت ضغطالشارع، وتفتح أبواب جهنم على نفسها في كل مكان بالوطن.

 مأساة سقوط ثلاثة شبان في تڤرت ينبغي أن تكون درساً بليغاً يستخلص منه المسؤولون في مختلف المواقع العِبر اللازمة لمعالجة أيّ احتجاجات اجتماعية في أيّ منطقة بالوطن؛ فالوضع محتقن في أكثر من جهة، ولا بدّ من معالجته بالحكمة والحوار، حتى لا تتكرر المأساة في أماكن أخرى.

مقالات ذات صلة