الحياد .. والعزلة أفضل
دور الجزائر اليوم مطلوب من أكثر من جهة دولية. الأمريكيون والفرنسيون والروس يريدون للجزائر أن تساهم في تنفيذ مخططاتهم إن في إفريقيا أو الشرق الأوسط. في إفريقيا توجد مالي وليبيا في المقام الأول، وفي الشرق الأوسط توجد سورية والعراق وفلسطين. وهناك دور محدد سلفا للجزائر في هذه المناطق من قبل الدول الكبرى سالفة الذكر.
يريدون لبلدنا أن تتدخل في مالي عسكريا إلى جانب القوات الفرنسية فرفضت وفضلت الحل السياسي والدبلوماسي بديلا لذلك، وقد حققت بعض النجاح لحد الآن. ويريدون لها أن تتدخل في ليبيا عسكريا بزعم وضع حد للاقتتال الدائر بين الإخوة الأعداء، ولكنها رفضت أيضا وبقيت متمسكة بضرورة اللجوء إلى الحلول السياسية والدبلوماسية هناك باعتبارها أفضل طريق.
واليوم هم يريدون لها أن تشارك في التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهي ترفض ذلك انطلاقا من موقفها الثابت القائم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وعدم إرسال قواتها العسكرية خارج الحدود.
وهو الموقف الذي ينبغي أن تحافظ عليه، بل أن تطوره إلى سياسة حياد من المشاركة في النزاعات الدولية، وإن اقتضى الأمر إلى سياسة عزلة على الطريقة الأمريكية واليابانية والصينية المعروفة.
نحن في حاجة حقيقة لهذه السياسة لنتكفل بشأننا الداخلي، لأن السياسة الدولية اليوم أصبح يكتنفها الغموض أكثر من الوضوح، والتعامل ذي الوجوه المتعددة أكثر من التعامل المبني على المصالح المشتركة. والسعي لتقسيم الدول أكثر من السعي للحفاظ على وحدتها الترابية، كما أصبح الابتزاز المفضوح ورقة يتم لعبها بطريقة مكشوفة: إما تلتحق بالصف أو ننشئ لك فصيلا إرهابيا باسم الإسلام، ولدينا المال والسلاح والفتوى، والخياران يعنيان التورط في لعبة دولية بلا قيم ولا أخلاق ولا حرص على أرواح الأبرياء والمدنيين...
يكفي أن نرى ما يحدث في العراق منذ الغزو الأمريكي الأول، ويكفي أن نرى ما يحدث في سورية منذ إعلان ما يعرف بالثورة، وما يحدث في مصر وليبيا واليمن والسودان لنعرف أن أية خطوة باتجاه الاندماج إنما هو اندماج في الفوضى الخلاقة… التي تخلق كل شيء إلا السلم والتقدم.
بلادنا تعيش اليوم ضغوطا غير محدودة للاندماج في هذه الفوضى، وعلى طبقتنا السياسية أن ترفع مشروعا توافقيا يكون عنوانه الحياد ثم العزلة.. وستكون عزلة على الطريقة التي صنعت من أمريكا واليابان والصين قوى عظمى، والتي تحتاج إلى حديث آخر أكثر عمقا وتفصيلا...