-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحِكمة الصينية وشياطين الحرب في أوكرانيا

الحِكمة الصينية وشياطين الحرب في أوكرانيا

قَدَّمت جمهورية الصين الشّعبية بعد مرور سنة كاملة عن بداية الحرب في أوكرانيا، مبادرة لأجل تسوية هذا النزاع من 12 بندا أبرز ها لأول والثالث والعاشر. يتعلق الأول بمبدأ احترام سيادة جميع الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية، والثالث بالوقف الفوري لإطلاق النار، والعاشر بوقف العقوبات على روسيا. ويبدو أن الصين افتتحت مبادرتها بتأكيد ضرورة احترام سيادة الدول واستقلالها لِفتح الباب واسعا أمام بدء المفاوضات.
ولعل هذا هو المطلب الأساس لأوكرانيا، إلا أن إضافة مصطلحي الاستقلال وسلامة الإقليم قد يُشيران إلى الأقاليم التي أعلنت روسيا أنها جمهوريات مستقلة في دونباس كجزء من فدرالية الاتحاد الروسي. وهي في معظمها موالية لروسيا حتى قبل الحرب وكانت بها حركة استقلالية نشطة عن أوكرانيا فضلا عن كون غالبية سكانها يتكلمون الروسية بديلا عن الأوكرانية. والكل يعلم أن طبيعتها الجيواستراتيجية، وكثافة الثروات المعدنية والطاقوية بها وكذا النسيج الصناعي القوي المنتشر بها منذ أيام الاتحاد السوفياتي هي التي جعلتها محط صراع وتجاذب ليس فقط بين الجارتين روسيا وأوكرانيا إنما بين روسيا والغرب بشكل عام، وبما أن روسيا وأوكرانيا على علم بالر ِّهانات الاستراتيجية للدونباس فإن الصين تعتقد أنه بالإمكان بدء المفاوضات من هذه النقطة. وتُدرِك الصين أنه بمجرد قَبول الطرفين مسألة التفاوض حولها، سيتحقق آليا الالتزام بالبند الثالث: الوقف الفوري لإطلاق النار. وقد تقبل روسيا التفاوض حول مسألة الحدود الجديدة بين البلدين مقابل رفع العقوبات عنها وتمكينها من كافة مقدراتها الاقتصادية والمالية، وبذلك تكون الأزمة قد بدأت تعرف طريق الحل بعيدا عن الحرب.
ولعل الصين أضافت البند الثامن المتعلق بالامتناع عن استخدام الأسلحة النووية أو أسلحة أخرى من أسلحة الدمار الشامل جرثومية كانت أو كيماوية، لِتُبيِّن للطرفين مآلات التصعيد المرتقب في الحرب ومخاطر ذلك، وكأنها تقول إنه في حالة عدم العودة إلى طاولة المفاوضات ستتطور الحرب الحالية بلا شك إلى حرب نووية أو سَتُستخدم فيها أسلحة الدمار الشامر التي ليس من مصلحة أي طرف الوصول إليها.
إضافة إلى هذا دعت الصين إلى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني والامتناع عن استهداف المدنيين أو المنشآت المدنية وتبادل الأسرى … الخ. كما دعت إلى ضرورة امتثال الطرفين إلى اتفاقية نقل الحبوب
والمساهمة في حل أزمة الغذاء العالمية وإلى عدم تسييس النظام الاقتصادي العالمي واستخدامه كسلاح(البنود الأخرى)، مشيرة بالتأكيد إلى دور الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك…
ويَتبيَّن من خلال هذه المنهجية في الطرح أن الصين وُفِّقت إلى حد بعيد في إيجاد مخرج لهذا النزاع المُلِح، وقد صرحت روسيا بقبول المبادرة مبدئيا، ولم ترفضها الأطراف الأوكرانية كما أنها لم تقدم قراءة تفصيلية لها. يبقى الموقف الغربي والأمريكي خاصة حاسما في هذا المستوى، ويبدو أن مصالح الشركات الغربية الكبرى وبخاصة تلك التي تشتغل في مجال الطاقة والمواد الأولية والغذاء و وكبار مُصنِّعي السلاح الأمريكيين لن يخدمهم أي وقف مرتقب لإطلاق النار، بل الحرب ستزيد من أرباحهم أكثر. وقد أشارت بعض التقارير أن كبرى الشركات الأمريكية لصناعة السلاح قد حققت أرباحا كبيرة .(ارتفعت قيمة أسهم شركات إنتاج السلاح الأمريكية ب 38%
لوكهيد (أنظمة صواريخ هيمارس)، رايثيون (صواريخ جافلين وستينغر)، نورثروب، غرومان، برات وايتناي… كما أن أوكرانيا استهلكت في 10 أشهر من الحرب عددًا من صواريخ يساوي ما أنتجته رايثيون في 13 عامًا)، أما كبرى الشركات الغربية المشتغلة بسوق المواد الأولية والغذاء فقد تضاعفت أرباحها هي الأخرى عدة مرات منذ بدء الحرب… مما يعني أن الحكمة الصينية لن تكون وحدها في الساحة… هناك أيضا شياطين الحرب والمال..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!