الخليفة.. مشروع رئيس
التغطية الإعلامية الراقية والتفصيلية، التي قدمتها صحافيات “الشروق اليومي” على مدار أيام، لمحاكمة عبد المؤمن خليفة، فتتبعت كلماته وابتساماته ودعاباته شكلا ومضمونا، صوّرت واقع الجزائر، التي اتحدت فيها السلطة والشعب على جعله أسلوب حياة، يقول فيها المرء كل شيء، من دون أن يقول شيئا، ويفعل فيها كل شيء، من دون أن يفعل شيئا، والنتيجة هي أن تبقى الحقيقة غائبة إلى أجل غير مسمى.
فالرجل الذي بدا مرتاحا واثقا من براءته، كشف أنه ترك قرابة العشرة آلاف مليار في بنك، توبع فيه بدفعه نحو الإفلاس. كما كشف أن مقر وزارة المالية التي تسيّر الجزء الحاسم من قطار الدولة، هو الذي بناه، وذكّر الناسين بأنه كان يموّل فرق الكرة بلاعبيها الدوليين، ومنح تخفيضات في تذاكر الطائرات لكبار البلاد وحتى للمحتاجين، واعترف بأنه يكره الفرنسيين واتهمهم بتحطيمه، وتساءل كيف تباع فيلا فاخرة، ملك له في مدينة كان الفرنسية بثمن رمزي، في وقت لا يجرؤ من ينعمون بالحرية على أن يذكروا فرنسا بما فيها الاستعمارية بسوء. وتحدّث عن مهازل سوناطراك وكأنه يطالب بمحاكمة شكيب خليل، بل إن الرجل الذي كان يموّل نادي أولمبيك مارسيليا بيّن أنه لا يوافق السيد محمد روراوة في تعيين الناخب الفرنسي كريستيان غوركوف، ثم أقسم بالله بأنه لم يكذب ولن يرمي أحدا زورا، وجلس في مكانه تاركا كل الأسئلة من دون إجابات، وكل الإجابات مجرد أسئلة جديدة، والمختفون في قضيته بعيدون عن العين كما هم بعيدون عن القلب، وقد تنتهي المحاكمة الماراطونية وهي لم تبدأ، كما حدث في قضية الطريق السيّار التي اتضح أن ألغازها أطول من الطريق السيّار نفسه.
هل ستكون محاكمة عبد المؤمن خليفة مثل المسلسلات التركية مع تغيير اسم البطل للفتى “الوسيم” “كيفانش تاتليتوغ” أو مهند، بالفتى “الذهبي” عبد المؤمن خليفة؟
وهل ستكون النهاية مثل نهايات المخرج التركي “أولينش بيرقدار“؟
وهل سينسى المتابعون المحاكمة وتفاصيلها وقراراتها كما نسوا تفاصيل مسلسلات نور والعشق الممنوع؟
إذا كانت محاربة الفساد بهاته الطريقة، وتبخير الألغاز الكثيرة التي خيّمت مثل السحابات السوداء على سماء الجزائر بمزيد من الألغاز التي ستتحول إلى رعود، تقصف ما تبقى من سنبلات خضر، فمعنى ذلك أننا بصدد مداواة الداء بالداء، بينما تبقى الجراثيم الفتاكة بعيدة عن الدواء تتفرج على خلايا الجسم وهي تموت، مثل المجرمين الكبار الذين هم حاليا بصدد التفرج على عبد المؤمن خليفة، وهو يحدثنا من محكمة البليدة عن زوجته الطيبة نادية وفريقه المفضل نصر حسين داي وعن غباء الرئيس المالي عمر كوناري، وعن تضييع الجزائر شرف تنظيم كأس أمم إفريقيا وعن أغاني الشاب خالد، ببراءة ظاهرية، وكأن الرجل الذي صاروا يقولون عنه إنه بريء حتى تثبت إدانته.. هو مشروع رئيس مستقبلي للجزائر؟