جواهر

الخير في قلب يغير!

أماني أريس
  • 4725
  • 52
ح.م

بلغني – والذّمة على من بلّغ – أن طبية أسنان شهيرة بمنطقتي لم تهضم قدوم طبيبة أسنان أخرى بحيّ قريب، شُهِد لها بالمهارة وإتقان العمل فأصبح الزبائن يتهافتون عليها بكثرة، ولم يُبق للأولى شيطانها من الرُّشد نَزرا، تترفع به عن أساليب النساء الجاهلات في مكائدهن. فأصبحت تحاول فرملة نجاح غريمتها بالتقليل من شأن جامعتها، وسنوات تكوينها في الخارج وطريقتها في العمل.

لو بحثنا عن أسباب أغلب الخلافات بين النساء سنجده يتمثل في “الغيرة السّلبية” أو كما يسمى في علم النفس بعقدة قابيل، وفي الحقيقة هذه الآفة النفسية لا تخص المرأة فحسب، بل هي آفة بني آدم، غير أنها ولأسباب طَبْعية واجتماعية تظهر بشكل كبير لدى النساء، فنجدها بين الصديقات المقربات، والزميلات، والجارات، والحماة وكنّتها، والكنّة وسلفتها وحتى بين أقرب القريبات كالأخوات.

قد يقول قائل أن المرأة الواعية المستوفية زادها من الثقة بنفسها لا تغار، وهذا الكلام ليس صحيحا مطلقا، امرأة لا تغار هي امرأة عليلة الفطرة، وميتة القلب، لأن الغيرة أمارة النخوة، وبنزين الطّموح، ودليل الحبّ والاهتمام، وصدق أجدادنا بقولهم “القلب لي ما يغير ما فيه الخير”.

امرأة لا تغار لا يمكن أن تحقق التطوّر والنّجاح في أيّ جانب من حياتها، لأنّ ذلك يتحقق باتّخاذ مرجعية تتمثل في الشخص أو الأشخاص محلّ المقارنة بالذّات ولا عيب في ذلك، فالغيرة المحفّزة على التنافس في الخير والمنافع – وليس في الشرور والتوافه – صفة محبذة ومطلوبة. ولما كانت الحياة الأخرى دار خلود قرن الله بلوغ نعيمها بالتنافس في فعل الخيرات حيث يقول عز وجل: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.

لكن كثيرا ما يتحول التنافس بما فيه قرينة الغيرة من نعمة كريمة، إلى نقمة عقيمة تسمّى الحسد، فتضيق نظرة صاحبه، وينحدر بالتّنافس عن غايته النبيلة والمتمثلة في  تطوير الذات بما ينفعها وينفع غيرها، إلى غاية دنيئة تتمثل في عرقلة المنافس ومحاولة إحباطه والسعي إلى إفشالِه، بشتى الطرق والأساليب الوضيعة قولا وفعلا؛ كالشتائم، وكيل الاتهامات الباطلة، والتحريض عليه، والتحالف ضده، وقد يفعل كلّ هذا بمبرّر حقّ النّقد، رغم أنّ النّقد معروف بآدابه وأخلاقياته.

هذا النوع من التنافس يكاد يكون أسلوب حياة في مجتمعنا، وهو أبرز أسباب تخلّفنا، لأن صاحبه عبد لأنَاه، ولا يفكّر في المصلحة العامّة، ولا حتى في مصلحته، فهو يستنزف طاقاته ويضيّع وقته في محاربة من يراه أحسن منه، بدل أن يعقد عزمه، ويجنّد قدراته ليصل إلى مستوى منافسه أو يتفوّق عليه بنزاهة، وفي هذا السياق استحضر قول العالم المصري الراحل أحمد الزويل رحمه الله “الغرب ليسوا أذكياء، ونحن لسنا أغبياء، لكن هم يدعموا الفاشل حتي ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”.

مقالات ذات صلة