الرأي

الداخل يمحو آثار الخارج

عمار يزلي
  • 638
  • 4

لم تكن يوما السياسية الخارجية الأمريكية تتغير عند تغيُّر الداخل الجديد إلى البيت الأبيض مع سياسة الخارج منه، فسياسة الديمقراطيين والجمهوريين كانت دوما أو في غالب الأحيان هي نفسها في كل الملفات تقريبا، ولم نكن نحن كعرب ومسلمين أن نلتفت كثيرا لمن يدخل أو يخرج من البيت الأبيض، على أساس أن الجديد ليس أحسن أحوالا من البالي، لاسيما وأننا كنا نربط السياسية الخارجية الأمريكية دوما بالقضية المركزية لنا.. التي كانت وستظل عند الشعوب العربية رغم طبائع الحكام المطبِّعين.. هي الهاجس المركزي والمطلب الرئيس وعنوان أي تغير في الشرق الأوسط وفي السياسية الخارجية الأمريكية.

هذه المرة، يمثل دخول جوزيف بايدن وخروج دونالد ترمب، حالة جديدة لم تُعرف في التاريخ الأمريكي الحديث ولا العالمي، ذلك أن ترمب عمل ومنذ الأسابيع الأولى لتوليه السلطة، على تغيير كل القواعد في السياسة الخارجية بمن فيها تلك الملفات العالقة التي تسيِّرها قوانين دولية من الأمم المتحدة وعشرات القرارات الأممية من الجمعية العامة ومجلس الأمن. خروج عن قواعد القانون الدولي وقواعد الأعراف والممارسات السياسية، فكان أن جاء ليغيِّر بعقلية “الكل المالي”: التاجر الذي يعتقد أن المال هو كل شيء، به نفعل كل شيء ونشتري ونبيع كل الأشياء بما في ذلك الأوطان والتاريخ والأرض والعرض، فكانت “صفقة القرن” الخاسرة، التي أراد أن يغرزها ترمب والكيان الصهيوني للعرب في الخاصرة.. خسرت الصفقة بخسرانه المبين في الانتخابات الرئاسية وفي أغلبية مجلس الشيوخ وخسر معه حتى لعبته الشعبوية المفضلة.. حسابه على تويتر.

لهذا بدا لنا تغيُّرٌ قادم على يدي الوافد الجديد للبيت الأبيض: لأن سابقه هو من خرج عن المألوف، ومن ثمة، فإننا سنشهد في الحقبة القادمة عودة للسياسات الأمريكية الخارجية خاصة في التعاطي مع ملفات كبرى كالقضية الفلسطينية التي نتوقع أن تعيد السلطة الجديدة في أمريكا كالعادة العمل على حلحلة الملف طبقا للوائح الأممية وحل الدولتين.. لكن دائما مع أفضلية ضمان أمن “إسرائيل” وتفوُّقها العسكري في المنطقة، فهذا الأمر “لا يتناطح فيه تيسان”.. نفس الشيء بالنسبة للصراع التاريخي مع روسيا ثم ومع الصين كقوة اقتصادية متنامية.. منافسة عظمى الآن.

عودة السياسية التقليدية الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة في الملف الفلسطيني، يقابله أيضا تغيُّرٌ في تعامل الوافد الجديد مع قضايا “الديمقراطية” في العالم العربي وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من حشر الأنف في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.. عن حق أو عن بهتان وتدخُّل سافر.. لكن ملف إيران النووي سيعاد البتُّ فيه من النقطة التي توقف عندها وزيادة، بما يعني أن المقاربة الجديدة للديمقراطيين هي نفس المقاربة التي تقدم بها أوباما في التوصل لاتفاق إيران النووي، بدليل أن نفس الفريق الذي قاد المفاوضات مع إيران في عهد أوباما هو نفسه المكلف الجديد بالملف في عهد بايدن، وهذا يعني أنه سيكون على الرئيس الجديد أن يسارع إلى التفاوض مع الحلفاء الأوربيين الذين تخلى عنهم ترمب حتى في هذا الملف.. مما يعني أن العودة لن تكون اليوم ولا غدا وأنها ستكون صعبة وشاقة مثلها مثل المفاوضات بشأن وضع القدس والأراضي المحتلة والمستوطنات.. والقضية برمتها إرثٌ ملغم تركه الخارج للداخل في الداخل والخارج.. وعلى حكومة الوافد الجديد أن يقوم لأشهر إن لم يكن لسنتين على نزع أشواك التين الهندي الذي وزَّعته الإدارة السابقة داخل أمريكا وخارجها.

مقالات ذات صلة