-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" رافقت وحدات الجهاز لتعقب المجرمين وضمان صيف آمن

الدرك.. عيون على البحر

نوارة باشوش
  • 3443
  • 0
الدرك.. عيون على البحر
الشروق

من المراكز المتقدمة للدرك الوطني لمراقبة الحدود البرية الجزائرية ورصد بارونات تهريب المخدرات والأسلحة، إلى استحداث مراكز متقدمة عبر الشريط الساحلي لرصد “الحراقة” والشبكات الإجرامية لتهريب البشر وتنظيم رحلات الإبحار السري نحو الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.. فرق خاصة للدرك الوطني تعمل بنظام التناوب ليلا ونهارا و7 أيام على 7 أيام، والمنظار لا يفارق عيونهم 24 ساعة على 24 ساعة.. يراقبون كل صغيرة وكبيرة وكل التحركات المشبوهة على الشواطئ وعرض البحر.. إنها مهمة صعبة لأصحاب البذلة الخضراء، فلا مجال للتقاعس، لأن أي خطأ أو تغافل سيسمح لـ”مهربي البشر” وشبكات “التجارة بالأٍرواح” بتنفيذ جرائم وتهريب الشباب والنساء والأطفال عبر زوارق وقوارب نفاثة تنتهي بهم في معظم الأحيان فريسة لأسماك المحيط.
على بعد ميل من سطح البحر.. ومن أعلى قمة للشاطئ أو بين الصخور والمنحدرات تقع مراكز المراقبة الجديدة للدرك الوطني، والتي تم استحداثها عبر الشريط الساحلي لولاية مستغانم، خصيصا لرصد “الحراقة” وشبكات الهجرة غير الشرعية، التي تنخرط عبر سلسلة تهريب متكاملة تبدأ من وراء حدود الجزائر البرية لتنتهي عند حدودها البحرية، قبل أن تنظم رحلات هجرة غير نظامية نحو الضفة الأخرى من المتوسط، عبر زوارق وقوارب نفاثة وبأسعار باهظة، انطلاقا من مختلف الشواطئ الجزائرية لاسيما سواحل غرب الوطن، على شاكلة ولاية مستغانم القريبة من المياه الإقليمية الإسبانية.


وتعمل فرق المراكز ليلا ونهار وعلى مدار أيام الأسبوع وطيلة السنة، وتقوم بمراقبة واسعة للبحر والشواطئ باستعمال المنظار، وعندما تلاحظ أو تسجل أي حركة مشبوهة، تقوم مباشرة بالاتصال إما بحراس السواحل إن كان الأمر يتعلق بعرض البحر، أو فرق الأمن والتحري للدرك إذا تعلق الأمر بتحضيرات للهجرة غير الشرعية، التي تتم على مستوى الشاطئ.

خطة أمنية لضرب معاقل الإجرام وضمان صيف آمن
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلا، عندما وصلنا إلى مقر المجموعة الإقليمية للدرك الوطني لمستغانم، بعد رحلة دامت أزيد من 4 ساعات، حيث تم استقبالنا من طرف قائد المجموعة العقيد مراد بناي وعدد من ضباطه، أين تلقينا بعض التفاصيل حول الإجرام بالولاية عموما، حيث أجمعوا على أن الإقليم آمن مقارنة مع الولايات الأخرى، إلا أن الأمور تتغير مع حلول موسم الاصطياف، على اعتبار أن مستغانم قطب سياحي بامتياز ويقصدها آلاف السياح القادمين من جميع الولايات وكذا من خارج الوطن، وتتوفر على 52 شاطئا ضمن اختصاص الإقليم، مما يحتم على مصالح الدرك -حسب ما كشف عنه قائد المجموعة الإقليمية لدرك مستغانم العقيد مراد بناي- على تغيير المخطط الأمني لتأمين قاصدي الولاية ومحاربة كل أشكال الإجرام وكذا الحد من إرهاب الطرقات، من خلال تعزيز التشكيلات وتكثيف نقاط الحواجز الأمنية للمراقبة الفجائية على مستوى المسالك المؤدية للولاية، وهي أهم التدابير الأمنية التي يسهر على تطبيقها السلاح الأخضر خلال موسم الاصطياف عبر المدن الساحلية للجزائر، تصديا لكل التهديدات والأفعال الإجرامية باستهداف أوكار الجريمة من خلال السرعة في التنفيذ والتدخل الميداني حسب الضابط الأمني.
وفي حدود الساعة الثامنة والنصف من اليوم الموالي، وبعد أن تلقينا جميع الشروحات المتعلقة بالمخطط الأمني لمختلف الفرق والتشكيلات الأمنية وكذا المداهمات المبرمجة من طرف قيادة درك مستغانم، انطلقنا رفقة المقدم عبد القادر بزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني والمقدم نور الدين جبور رئيس أركان المجموعة الإقليمية للدرك بمستغانم، وبالرغم من أنه يومه الأخير على مستوى المجموعة الإقليمية، بعد أن تم تعيينه رئيسا لمركز العمليات بالقيادة الجهوية الرابعة للدرك بورقلة، إلا أنه رافقنا ميدانيا إلى آخر محطة، كما حضر معنا خليفته في المنصب المقدم مروان بورزق إلى جانب رئيسة خلية الاتصال بالمجموعة الإقليمية لدرك مستغانم النقيب فاطمة وافريغ، والرائد آمال أسماء عماري رئيسة خلية الشرطة التقنية بالمجموعة وعدد من الضباط والأعوان، وكانت وجهتنا الأولى سرية أمن الطرقات لدرك مستغانم، أين سجلنا تعدادا بشريا مؤهلا للتدخل في كل الظروف والحالات لضمان أمن الأشخاص والممتلكات، كما وقفنا على طريقة تحضير التشكيلات المقحمة لتأمين إقليم الاختصاص من كل أشكال الإجرام وإرهاب الطرقات وتأمين صحة المواطن والمصطاف، على غرار فرقة أمن الطرقات، حماية البيئة، الـ”BSI” فرقة الأمن والتحري، إلى جانب عناصر الكتيبة، خاصة وأن ولاية مستغانم عرفت ارتفاعا قياسيا للمصطافين هذه السنة.
وفي عين المكان، أعطى قائد سرية أمن الطرقات لدرك مستغانم المقدم جمال سيباوي، تعليمات لجميع الفرق والوحدات المقحمة يأمر فيها بضرورة الرفع من مستوى الأداء العملياتي في كل مناطق الاختصاص الإقليمي، من خلال تكثيف النشاطات لتأمين المواطنين وممتلكاتهم وتفعيل العمل الجواري وبذل أقصى المجهودات للحفاظ على الأمن العمومي، وكذا تكثيف الأعمال الوقائية للحدّ والتقليل من حوادث المرور عبر شبكة الطرقات، كما أعطى أوامر بالتطبيق الصارم للقانون من دون هوادة، كل حسب مجال اختصاصه مع الحرص على حماية وصون حقوق الإنسان من دون تخطي حدود المهمة الموكلة لكل عنصر، تنفيذا لتعليمات القيادة العليا للدرك الوطني.

منع ولائم الشواء في الغابات

استعد.. الكل جاهز.. “مهمتكم أمن البلاد والعباد”.. على وقع هذه العبارات انطلق عناصر الدرك إلى عملهم الميداني كل حسب المهمة المخولة له، حيث كانت وجهتنا نقطة المراقبة والتعديل المروري بمحور الدوران المعروف باسم “الإخوة الثلاثة” الواقع على الطريق الوطني رقم 11، وفي عين المكان أوضح لنا المقدم نور الدين جبور، أن هذا المحول يشكل نقطة سوداء للازدحام المروري، باعتباره يؤدي إلى الجهة الشرقية للشواطئ وكذا المساحات الغابية والمناظر الخلابة التي يقصدها آلاف المصطافين وحتى السياح الأجانب، كما عرجنا على حاجز المراقبة الثابت بالمكان المسمى “سوناكتيل”، ولاحظنا في عين المكان توافد المئات من السيارات من جميع ولايات الوطن حسب لوحات ترقيمها، وحتى ذات الترقيم الأجنبي، حيث أعطيت تعليمات من طرف ضباط أمن الطرقات للفرق المرورية العاملة في الميدان للتحلي بالحذر واليقظة والتفتيش الدقيق لكل السيارات والأشخاص لضمان أمن المواطنين والمراقبة الفعالة للإقليم.
وجهتنا الثانية كانت غابة ولد إبراهيم ببلدية سيدي لخضر، حيث المساحات الغابية والأشجار الكثيفة التي غطت المكان، وتقصدها الآلاف من العائلات للاستمتاع بمناظرها الخلابة، إلا أن الحرائق التي تنشب بين الفينة والأخرى عكّرت الأجواء، وهو ما وقفنا عليه خلال تواجدنا في تلك الغابة، أين اشتعلت النيران ولولا تدخل مصالح الحماية المدنية لإطفائها لالتهمت الأخضر واليابس.
وفي عين المكان حضرنا جانبا من عمل الشرطة العلمية التابعة لدرك مستغانم، أين قاموا برفع العينات وجمع القرائن وإرسالها إلى المعهد الوطني للأدلة الجناية لدرك بوشاوي بالجزائر العاصمة، لتحديد الأسباب الرئيسية للحريق، وفي هذا السياق كشف لنا المقدم عبد القادر بزيو، أن مصالح الدرك الوطني عبر جميع ولايات الوطن أطلقت تحذيرات تمنع من خلالها المواطنين ولأول مرة من إقامة ولائم الشواء في الغابات وضرورة الحفاظ على الثروة الغابية.
كما أشار المقدم بزيو إلى أن قيادة الدرك الوطني سطرت مخططا أمنيا وقائيا استباقيا من أجل ضمان السيرورة الحسنة لموسم الاصطياف لهذا العام، حيث تم التركيز على تكثيف التواجد الميداني لمختلف وحدات وتشكيلات الدرك عبر مختلف شبكة الطرقات التي ستشهد حركة كثيفة، من خلال وضع تشكيلات وقائية يتم تكييفها في الزمان والمكان من أجل ضمان سيولة حركة السير والتقليل من حوادث المرور، إلى جانب وضع تشكيلات مرنة ومدعمة بفصائل الأمن والتدخل، الفرق السينوتقنية والأسراب الجوية، لتأمين ومراقبة الطرقات والأماكن التي تعرف توافدا كبيرا للمصطافين على الشواطئ والغابات وأماكن الاستجمام والراحة، بدون إغفال الأماكن المنعزلة كالشواطئ غير المحروسة التي يرتادها المنحرفون بنية ارتكاب أفعالهم الإجرامية.

هروب جماعي للعائلات نحو البحر والغابات


عقارب الساعة تشير إلى الواحدة بعد الزوال، درجات الحرارة تجاوزت الـ50 درجة مئوية والرطوبة بلغت ذروتها، هروب جماعي للعائلات القادمة من كل حدب وصوب نحو الشواطئ التي امتلأت عن آخرها، فهي تبدو كأنها خلية نحل، وهذا ما وقفنا عليه بشاطئ “كلوفيس”، حيث رافقنا فرقتي حماية الأحداث والبيئة، وفي عين المكان قام عناصر حماية البيئة التي تقوم بدور فعال في ضمان سلامة المصطافين، من مياه البحر الملوثة ورمالها التي تحتوي على جراثيم مضرة بصحة المواطنين، برفع عينة من مياه البحر، باستعمال أنبوب خاص وجهاز متعدد القياسات أو ما يسمى بـ”مولتيمتر”، ليتم إرسالها إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية للدرك الوطني ببوشاوي بالجزائر العاصمة، من أجل إخضاعها لتحاليل دقيقة.
وبالمقابل، فإن فرق حماية الأحداث مارست مهامها عبر الشواطئ، وقامت بعمليات تحسيسية وسط العائلات الوافدة ودعتها إلى مرافقة أبنائها القصر وعدم تركهم لوحدهم تجنبا للتيهان والضياع.
وقبل أن نغادر المكان عرجنا على غابة “الرحمة”، حيث تتنزه العائلات المستغانمية ومن المناطق المجاورة، وتعتبر ملجأ بامتياز لاستنشاق الهواء النقي والتمتع بنسمة الرياح الباردة أمام موجة الحار الشديدة التي ضربت الجزائر خلال شهر جويلية الجاري.

مغاوير لمطاردة المجرمين


في حدود العاشرة ليلا.. حركة كثيفة للأشخاص والسيارات، ومعها يبدأ نشاط “المجرمين” و”البلطجية” و”تجار ومروجي المخدرات والمهلوسات”، لكن أصحاب البذلة الخضراء بالمرصاد، وفي هذه الأثناء رافقنا مغاوير “الدرك” وهم فرقة الأمن والتحري “BSI”، التي أشهرت سيف الحجاج في وجه “مافيا الشواطئ”، عبر سواحل الولاية من خلال مداهمات واسعة ومكثفة لتطهير الشواطئ، أسفرت عن طرد وحجز عتاد “البزناسية” في خطوة لمحاربة ظاهرة الاستغلال السياحي من دون وجه حق وتحرير المئات من المحاضر لمتابعتهم قضائيا، بسبب حرمان العائلات من الاستجمام وحجب الرؤية عن المصطافين في تعد صارخ على القوانين على مرآى من الجميع، حيث يتنافس الشباب الذين يدخلون يوميا في لعبة القط والفأر مع مصالح الدرك على حيازة الأماكن بمظلاتهم للكراء مع طلوع شمس كل صباح، مستغلين خلو الشواطئ في تلك الفترة من أجل كرائها بأسعار تصل إلى 1500 دينار، ناهيك عن تسعيرة الدخول لهذه الشواطئ التي تصل على الأقل إلى ألف دينار كثمن لمظلة وكرسي من الحجم الصغير، ويرتفع المبلغ من شاطئ لآخر حسب الموقع، ومن دون احتساب تسعيرة توقف السيارة المبالغ فيها.
ومن هذا المنبر رفعت مصالح الدرك الوطني، اللبس الذي وقع فيه العديد من المواطنين، الذين تذمروا من دفع تكاليف عدد من الشواطئ، وذكرتهم بمنح السلطات المحلية للخواص الذين يرغبون في الاستثمار في مساحات الشواطئ مقابل دفع المستحقات للولاية، وأن هناك شواطئ فيها حظائر السيارات مجانية.
وبلغة الأرقام، سجلت مصالح الدرك الوطني لمستغانم، في مجال مكافحة الاستغلال غير الشرعي للشواطئ، المواقف وأماكن التخييم، خلال الفترة الممتدة من 17 جوان إلى 23 جويلية الجاري، 172 قضية مرتبطة بالاستغلال غير الشرعي للشواطئ، 103 قضية تتعلق بالاستغلال غير الشرعي لمواقف السيارات، 215 قضية مرتبطة أيضا بالاستغلال غير الشرعي للتخييم، أسفرت عن توقيف 88 شخصا وتقديمهم أمام السلطات القضائية، كما تم حجز 812 شمسية، 769 طاولة، 2260 كرسي و247 خيمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!