-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تراجع روّاد بيوت الله عن حضورها بتأثيرات الوسائط التكنولوجية

الدروس المسجديّة.. معركة البقاء!

نادية سليماني
  • 4693
  • 0
الدروس المسجديّة.. معركة البقاء!
أرشيف

تواجه الدروس المسجدية، مؤخرا، شبه عزوف من قبل روّاد المسجد، فلم يعد لحلقات العلم والذكر ذلك البريق والتوهّج على غرار سنوات مضت، أين كان الجزائري، يهرول نحو بيوت الله في غير أوقات الصلاة، بحثا عن إجابات لأسئلته الشرعية، ورغبة بالتفقه في أمور دينه، فهل تأثّر المسجد كغيره من المؤسسات بالتطور الرّهيب للرقمية، التي كادت أن تأخذ مكانه في تقديم الدروس، أم للأمر علاقة بنوعية الخطاب في حدّ ذاته، الذي بات لا يساير في الغالب الحياة العامة ولا يُلبّي رغبات المستمعين إليه؟
لطالما كان المسجد الحاضن الأول للأفراد، فهو يحمل الخطاب المسجدي، الذي يتولّى مسؤولية عظيمة في نشر تعاليم الدين الإسلامي وإصلاح المجتمع وإرشاده، وقضاء حاجاته الدينية، كما أنه يحمل مسؤولية اجتماعية كبيرة، في تصحيح السلوك وتقويمه، لكن، وحسب تأكيد أئمة، ورواد المسجد، لم يعد للخطاب المسجدي، ذلك البريق والجاذبية المُستقطِبة لجموع الحضور من مختلف الفئات، اذ تتناقص كل مرة أعداد الحضور لحلقات المساجد، التي تنظم غالبا بعد الصلوات المفروضة، ويشرف عليها إمّا أئمة تلك المساجد، أو أساتذة وباحثون في الشريعة والفقة، لدرجة يكاد يكون رواد الدروس المسجدية من كبار السن فقط ويعدون على الأصابع.
فهل إشكالية الموضوع، مُتعلقة بتأثير التطور الهائل للتكنولوجيات الرقمية، وما صاحبها من “تفنن وجاذبية” في الخطابات الدينية الرقمية القصيرة، أم أن الخطاب المسجدي أصبح تقليديا، من حيث المضمون والشكل، لا يُساير متطلبات الأجيال الحالية؟
“الشروق” رصدت آراء مُختصين في الشريعة الإسلامية وأئمة، فكانت تفسيراتهم مختلفة، لكنها ركّزت على أهمية الخطاب المسجدي، في حياة المجتمعات الإسلامية.

على الإمام إتقان فن التخاطب
وفي هذا الشّأن، أكّد الأستاذ الجامعي في الشريعة، وعضو لجنة الفتوى، موسى اسماعيل، بأن الدروس المسجديّة، تتنوع بين دروس العامة، التي تتناسب مع غالبية الجمهور، ويكون الحضور فيها معتبرا، وهي دروس عامة في الوعظ، تفسير القرآن، السيرة النبوية ودروس خاصة، أمّا الدروس المسجدية العلمية، فهي موجهة لأصحاب الاختصاص والطلاب، والحضور فيها قليل، لأنها تتطلب مستوى معينا.
وفسّر المتحدث في تصريح لـ”الشروق”، أسباب تراجع الإقبال على الدروس المسجدية، بالقول “نجاح الدروس المسجدية، يتوقف على شخصية مُلقنها.. إذ لا بد أن يتحكم الإمام في الخطاب المسجدي، عن طريق إتقان فن التخاطب، كما أن إلقاء الدروس يتطلّب تقنيات، يُراعى فيها عدم الإطالة في الوقت، إذ لا تتجاوز النصف ساعة على الأكثر”، وأكد بأنّ الإطالة في زمن الدروس، تسبب مللا للحضور.

اختيار مواضيع واقعية معيشة بعيدا عن الإطالة والتكرار
ومن الضرورة، حسبه، انتقاء المواضيع الواقعية في الدروس، التي تكون من واقع المجتمع ومشكلاته، “حيث لاحظنا بأن الدروس التي تتطرق لما يعيشه المجتمع حاليا، تلقى حضورا وإقبالا، أمّا المواضيع المتكرّرة، فالناس لا تبالي بها غالبا”.
وربط الأستاذ في الشريعة، بين الفصول والإقبال على الدروس، مشيرا الى أن الإقبال على الدروس المسجدية والحلقات، يقل كثيرا خلال فصل الشتاء، بسبب قصر النّهار، وعدم قدرة الأفراد على قضاء جميع مصالحهم اليومية، بينما يزيدُ الحضور في الصّيف والرّبيع، ولذلك فنجاح هذه الدروس متوقف على اختيار التوقيت المناسب.
واختيار مواضيع الدروس المسجدية “مهم جدا”، إذ لابد أن تكون من طلبات المستمعين أو الحضور، وتكون مستمدة من واقعهم المعيش، بهدف تنويع الخطاب. وأشار، إلى أنّ بعض الأساتذة أو الأئمة من أهل الخبرة، يشهدون إقبالا كبيرا على دروسهم المسجدية، إذ يأتيهم الحضور من كل الأماكن.

الفايسبوك.. بات الرقم واحد في استقطاب الجمهور
وتطرّق عضو لجنة الفتوى، إلى ظاهرة “مُزاحمة مواقع التواصل الاجتماعي لدور المساجد”، فنحن في زمن لم يعد المسجد كما كان في الماضي، الموجه الوحيد للأفراد، بعد ما استقطبت التكنولوجيا الرقمية الانتباه “وحتى وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة وتلفزيون، فقدت بريقها لصالح الفايسبوك”، لدرجة أصحبت منصات التواصل الإجتماعي، حسب تعبيره “الرقم واحد، في استقطاب الجمهور”، ومع ذلك فهي “تبقى وسيلة ذات حدّين، تستعمل إيجابا وسلبا.”
وقال محدثنا “بعض الأساتذة والأئمة، يستعملون الرقمية، لإلقاء كلمات قصيرة ومهمة، لا يتعدى زمنها 5 دقائق، وتتحصل على ملايين المشاهدات.. وهذا أسلوب جديد ينبغي الاهتمام به، خاصة وأن كثيرا من الجزائريين، لا يذهبون للمسجد إما لأنهم لا يصلون، أو ليس لديهم وقت للصلاة في المسجد، ولذلك لا يجب أن نحرمهم من الدروس المسجدية التي قد تكون وسيلة لتوضيح كثير من الجوانب الخفية عنهم”.
كما دعا، إلى تنويع مواضيع الدروس المسجدية، لتشمل موضوعات تتعلق بالصّحة والبيئة والمُناخ، والمشاكل الاجتماعية.

نتخوف من الدروس الدينية الرقمية المتطرفة
ويعتقد الدكتور عمار طالبي، أنّ توصيات الأطباء بعدم التردد على المساجد أثناء جائحة كورونا وهي مكتظة، مخافة عدوى الفيروس، كانت من العوامل التي جعلت الناس ينصرفون عن الحضور إلى بيوت الله، سواء لأداء الصلوات أو لحضور الدروس المسجدية.
وقال المتحدث لـ”الشروق”، بأنّ “حضور الدروس المسجدية كان ضعيفا، واستمر في الضعف بعد جائحة كورونا.. يحضرها غالبا عدد قليل من المصلين.. كما أن المحاضرات والندوات الرقمية لبعض الأساتذة المشهورين، صارت مفضلة لكثيرين، لأنهم يستمعون إليها وهم مرتاحون في منازلهم، متجنبين تعب التنقل إلى المساجد والاختلاط، حسب مُبرّرهم”.
ومع ذلك حذّر طالبي، من خطر الدّعوات إلى التطرف، إلى فرق مذهبية أخرى، ومن خطر الانقسام بين المسلمين، بسبب كثير من الدروس الدينية الرقمية، التي لا يمكن مراقبتها وغربلة محتواها من قبل متلقيها.

إعمار المساجد من أوجه الإيمان فلا تهجروها
وإلى ذلك، دعا رئيس النقابة الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، جلول حجيمي عبر “الشروق” إلى عدم العزوف عن المساجد، خاصة بالنسبة لفئة الشباب، مؤكدا بأن المسجد “له قدسية وحالة روحية، وإعماره من أوجه الإيمان ونيل الأجر، لأنه صلة بين العبد وربه”.
وقال “حضور الدروس المسجدية، هو زيادة في العلم وتربية للإنسان، واستجابة لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم”.
وبدوره اعتبر مُحدّثنا، بأنّ وباء كورونا، أنتج شبه عزوف عن المساجد، التي عوّضتها تقريبا مختلف وسائل التواصل الإجتماعي، حيث استعان بعض الأئمة بهذه الوسائط لإيصال دروسهم للمواطنين في منازلهم، وبعد انحسار الفيروس، أبقت بعض المساجد على هذا الأسلوب الرقمي، بينما عادت أخرى إلى سابق عهدها.

بعض الأئمة انزووا بعيدا عن المجتمع
أمّا المختص في علم الاجتماع، أحمد قوراية، فأكّد أنّ عزوف الناس عن دخول المسجد إلاّ في أوقات الصلاة، هي ظاهرة نجد تفسيرها أساسا عند رجال الدين والأئمة، ولكن يمكن تفسيرها من الناحية النفسية والاجتماعية، بإرجاعها إلى الإمام والقائمين على المسجد.
ومن منظوره، فبعض المساجد ابتعدت عن دورها المحوري ورسالتها المسجدية، ولم تعد تجذب إليها الأفراد، لأنّها لا تتطرق إلى مواضيع الساعة التي تهم العامة على غرار أخطار المخدرات وظاهرة الحراقة، وجرائم القتل، وإقامة العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج وآثارها على الفرد والمجتمع. وتفشي البطالة وغلاء المعيشة التي تقف حجر عثرة أمامهم لاستكمال نصف دينهم. ومشكلة ضرب الأصول وتعذيبهم ورميهم في دور العجزة، وغيرها من المشاكل التي ظهرت مع العصرنة، خاصة إذا علمنا أن المجتمع الجزائري مرتبط بالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة. وقال “قد تجد الجزائري لا يصلي أو يفرّط في أوقاتها، وقد تجده ربما يقوم بفاحشة، لكنه حين تقوم بإسداء نصائح، تجده كله أذانا صاغية، خاصة إذا جاءته النصيحة من إمام مسجد”.
وحسب قوراية، بعض الأئمة انزووا بعيدا عن المجتمع ولم يندمجوا في المجتمع ولم نجد لهم تقريبا أثر، لا ينصتون لمشاكل العامة.. وبالتالي تركوا الساحة لغيرهم من العلماء غير الجزائريين لطرح انشغالاتهم، عليهم عبر “السوشل ميديا” أو “الفضائيات”.

التكنولوجيا سيطرت على العقول..
وأشار المختص النفسي إلى أنّ الخطاب المسجدي لم يعد يتدارك كل هذا في خضم التكنولوجيا، التي سيطرت على عقول الأفراد وبالخصوص فئة الشباب، الأكثر استهدافا.
وتأسّف المتحدّث لتوجّه الفرد الجزائري نحو الفتاوى والدروس الدينية المستوردة من بلدان العالم الإسلامي الأخرى، مناشدا وزارة الشؤون الدينية ضرورة “إعادة النظر في الرسالة المسجدية حتى نعيد شبابنا خاصة إلى رحاب المسجد، والنهم من تعاليم الشرع الحكيم لإصلاح المجتمع وتربية الناشئة على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والتي دعانا إلى التحلي بها، لأنّها نبراس الأمة وإرث عظيم نورّثه للأجيال القادمة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!