-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الدعم الاجتماعي.. من نعمة إلى نقمة!

سميرة بلعمري
  • 1560
  • 0
الدعم الاجتماعي.. من نعمة إلى نقمة!

تدخّل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نزولا عند مطالب فئة من المجتمع، وأقر دعما على تكلفة الحج، ميسرا بذلك غير معسر للمعنيين بأداء الفريضة، التي جعلها الله مرتبطة بالاستطاعة والاقتدار على فعل الشيء أو الكف عنه.

قرار الرئيس تبون دعم تكلفة الحج بـ10 ملايين سنتيم، لفائدة كل حاج، تبعث النقاش مجددا حول الدعم الاجتماعي الذي يعدُّ موضوع ورشة من ورشات الإصلاح التي أطلقها الرئيس تبون والذي أعلن توسيع الاستشارة حولها حتى تحافظ فلسفة الدعم الاجتماعي على مقاصدها المتمثلة في تقليص الفوارق الاجتماعية وتكافؤ الفرص والموازنة بين مصالح الأفراد في إطار سياسة اجتماعية عامة، شريطة عدم التأثير على الفعالية الاقتصادية والاجتماعية المتضررة إلى درجة تحولت نعمة الدعم الاجتماعي إلى نقمة.

سياسة الدعم التي تحاول بعض الأطراف شيطنتها بتوجيه النظر إليها من زاوية الجوانب السلبية وتروّج لها على أنها أداة من أدوات شراء السلم الاجتماعي وشراء الذمم هي في حقيقة الأمر آلية ليست مرتبطة بالدول الريعية في العالم الثالث فحسب، بل تنسحب كذلك هذه الآلية على الدول الرأسمالية التي تأسست على مفهوم دولة الرفاه، وهذا ما نجده في النموذجين الألماني والفرنسي، ونماذج العديد من دول العالم الغربي، غير أن الاختلافات تَكمُن أساسًا في حدود التدخلات الدولية الخارجية في الشأن الاقتصادي، ومعايير المبادرة والحرية والشفافية والرقابة والمحاسبة، وهي شروط ترتبط بالنظام السياسي في هذه الدول، ومسألة الشرعية وحدود الممارسات الديمقراطية واستقلالية وحيادية المؤسسات المعنية بتسيير الشأن العام.

في الجزائر كما في عدد من الدول العربية ارتبط مفهوم الدعم الاجتماعي بمشروع الدولة الاجتماعية وشعار العدالة الاجتماعية، الذي ترجمته المواثيق المؤسِّسة للدولة، بدايةً من بيان أول نوفمبر كوثيقة مؤسِّسة للدولة الجزائرية المستقلة مرورا بباقي المواثيق المتعلقة ببناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية، حتى أصبحت مسألة الدعم الاجتماعي أو ما يعرف في الأوساط الشعبية “السوسيال” ثابتا من ثوابت الدولة، وضرورة حتمية، مؤكِّدة على عدم تخلي الدولة عن كينونتها الاجتماعية.

وإن كانت سياسة الدعم الاجتماعي تحمل وجها إيجابيا، إلا أنها وعلى مدى عقود بدأت تفقد جمالها، لأن بشاعة وجهها الآخر لم تعد تنفع معه مستحضرات التجميل والمساحيق  نظرا لآثارها العميقة على المجتمع، فالمعروف -بحسب المختصّين في علم الاجتماع- أن سياسة الريع تنتج “الزبائنية” التي تفسد الحاكم بسلوكها، كما تنتج الأبوية المفرطة التي تبطل فعالية القيم الاجتماعية وتحديدا قيمة العمل وتقتل المبادرة في الفرد وتولد لديه الإتكالية، ولنا في العديد من الصور في المجتمع الجزائري تصويرٌ صريح لبشاعة وجه الدعم الاجتماعي.

 آثار سياسة الدعم الاجتماعي في جانبها السلبي، تمددت وشملت الاقتصاد الوطني وتوازنات الخزينة العمومية، وخلقت على هامش أدوار الدولة الاجتماعية اختلالات وانحرافات مُتعددة الأوجه اقتصاديا وماليا، فالضغط على ميزانية الدولة بفعل تزايد الحاجات وتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية للمواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، أثر سلبا على ميزان المدفوعات، وهو ما ظهر مؤخرا في ارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية، وفي عجز الخزينة العمومية عن تغطية الفوارق في الأسعار، والتي شكّلت أرضية خصبة للمضاربة والاحتكار، ناهيك عن تنامي ظاهرة التهريب عبر الحدود، وتصدير منتجات مصنّعة بمواد مدعومة، جميعها أحدث نزيفًا مزمنًا للاقتصاد الوطني.

عندما نقف عند الوجه البشع والآثار السلبية لسياسة الدعم اجتماعيا واقتصاديا، ندرك أن مسألة إصلاح هذه السياسة أصبحت أكثر من ضرورة لإصلاح المجتمع وتطهيره من السلوكات السلبية التي ولدتها سياسة الدعم لدى الجزائريين.

مسألة إصلاح الدعم الاجتماعي، وبحسب دراسات اقتصادية وسوسيولوجية، تستوجب تجاوز الحلول التقنية والشكلية، فالدعم في سياقه العام يتعدى تلك الأشكال المباشرة والمرتبطة بدعم الأسر والتعليم والصحة والسكن… وغيرها، إلى أشكال غير مباشرة تتمثل في دعم الشركات العمومية المتعثرة والقروض وتخفيض الضرائب على بعض السلع، وهي أشكال كلفتُها تتعدى بكثير كلفة الدعم المباشر على الخزينة العمومية، إلا أن كلفة فساد منظومة القيم الاجتماعية نتيجة سياسة الدعم تتجاوز كلفة الدعم المباشر وغير المباشر معا.

إصلاح سياسة الدعم الاجتماعي واعتماد استراتيجية انتقائية بديلة عن سياسة الدعم الجماعي، وإن كانت تحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت والأدوات العلمية والبنية اللوجستية والقاعدة التشريعية التي ترسخ لسياسة المكاشفة والشفافية بعيدا عن الشعبوية، إلا أنها أصبحت أكثر من ضرورة ولو اجتمع صف الرافضين لمناقشة الملف، ذلك لأن التحول عن المنطق الريعي والبيروقراطي في تسيير الشأن الاقتصادي إلى منطق السوق والمنافسة التي تعتبر أحد تعهدات الرئيس تبون، تفرض اليوم ضرورة الالتفات إلى تجارب دول أخرى تمكنت من تقليص الكلفة الاجتماعية والاقتصادية لسياسة الدعم بإقامة شبكات ضمان وأمان اجتماعية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!