الرأي

الدولة الحضارية هي البديل…

محمد سليم قلالة
  • 1220
  • 10
ح.م

 سواء أكانت “دينية” أم “مدنية” أم ” عسكرية” أم “عربية” أم “أمازيغية” أم “وطنية”… تبقى الدولة بتصنيف كهذا دولة عرجاء، ولن تستمر في الزمن إلا لمدة قصيرة تنهار بالضرورة بعدها، ذلك أن استمرار الدول حتى وإن كانت بإحدى الصفات آنفة الذكر كان مرهونا بمدى تشكلها في نطاق حضارة. الدولة العصرية الأوروبية ما كان لها لتستمر في عصرنا الحالي لولا الصبغة الحضارية الإغريقية- الرومانية التي مازالت تُغلِّفها إلى اليوم، مُضافا إليها البعد العبراني في العقود القليلة الماضية لتبدو أكثر تماسكا، خاصة بعد المصالحة التاريخية بين اليهودية والمسيحية وتبرئة اليهود من دم المسيح- عليه السلام- بعد 20 قرنا من الصراع. وكذا الأمر بالنسبة إلى تجديد الدولة الروسية اليوم التي أوجدت لنفسها غلافا حضاريا يستمد جذوره من الخبرة الروسية العريقة، سماه الإسكندر دوغين، مستشار الرئيس بوتين، بالنظرية السياسية الرابعة. الأمر ذاته، بالنسبة إلى الصين وتركيا وإيران وإندونيسيا وماليزيا والهند… التي سعت كل واحدة منها إلى تأطير نفسها حضاريا، سواء حَكَمها ساسة رجال دين أم مدنيون أم عسكريون (روسيا أنموذجا).

وفي تاريخ المغرب الإسلامي، لم تكن الدول المتتابعة، ومن بينها الأمازيغية الصميمة لِتستمر، من مُرابطين ومُوحدين ومرينيين التي حكمها قادة علماء سياسيون وعسكريون، لولا إصرارهم على الطابع الحضاري للدولة في نطاق فلسفة الدولة عند المسلمين التي أوضح معالمها علماء السياسة المغاربة، كابن الأزرق والطرطوشي والمقري وآخرين..

وفشلت كل من الدولة المدنية والعسكرية في العالم العربي والإسلامي، بل وفي كل الجنوب المُهيمَن عليه في القرنين الماضيين، لأنها إما كانت دول مذهبية أو قومية أو عرقية تابعة للإطار الحضاري المُهيمِن كالرأسمالية أو الاشتراكية خاصة بعد استعادة الاستقلال السياسي.

ولم تتمكن هذه الدول إلى حد الآن من طرح فكرة بناء نفسها في نطاق الحضارة رغم كل الانتكاسات التي عرفتها، ورغم تنبيهات مالك بن نبي الواسعة إلى كون المشكلات التي عشناها سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية إنما هي بالأساس مشكلات حضارة كامنة في طبيعة الإنسان الذي لم يفهم المعادلة الحضارية التي تُشكِّل محيطه.

لذلك، فإننا في هذا الظرف بالذات أحوج من أي وقت مضى إلى إعادة بناء فكرنا وتنظيم مطالبنا وشعاراتنا السياسة ضمن هذا المنظور الحضاري، وإلا فإننا بدل أن نجعل الدين والمدنية والعسكرية والأمازيغية والعربية والوطنية روافد لبناء دولة الحضارة، التي هي بالضرورة دولة حق وعدل، نجعلها مَعاول لهدم هذه الدولة.. ولن نتمكن من بنائها بأي شكل من الأشكال. وبدل ذلك سنجد أنفسنا في آخر المطاف منقسمين إلى فِرقٍ شتى، كل يرى نفسه الأصل الذي ينبغي أن يتحول إلى منبع الحضارة وما هو كذلك، فتتشتت القوى ويتمكن التيار الدخيل المؤمن بتغريب الجزائر من أن ينتصر، وهي الغاية التي فشلت فيها قوى الاستعمار القديم بواسطة التجذر الحضاري العميق لآبائنا وأجدادنا، وينبغي أن تفشل في تحقيقها القوى المؤيدة بوعي أو بغير وعي لهيمنة الحضارة الغربية الإغريقية-المسيحية- العبرية اليوم… ونتحمل جميعنا مسؤولية كشف أذرع هذه القوى، وعلينا منعها من الامتداد إلى بلادنا مهما كانت اللافتة التي ترفعها مدنية – عسكرية- دينية- أمازيغية- عربية وطنية، إذا كانت خارج المنظور الحضاري… ذلك أن كل هذه اللافتات يمكنها أن تكون جامعة مُوحِّدة إذا ما غَلَّفها الوعي الحضاري، أو تكون مُحَطِّمة لبعضها البعض، مُقَوِّضَة لأركان الدولة إذا ما رُفعت خارج نطاق هذا الوعي، أو إذا صَبَّتْ في مجرى سياسات الحضارة الإغريقية الرومانية العبرية الفاوستية المهيمنة اليوم…

مقالات ذات صلة