-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الديكليك” الاقتصادي

“الديكليك” الاقتصادي

جرّبت الجزائر في العقود السابقة، الكثير من النماذج الاقتصادية أو لنقل الإيديولوجية، من اشتراكية إلى رأسمالية، فسارت على نهج الإتحاد السوفياتي في فترة ليست بالقصيرة، ففشلت في مختلف الثورات من زراعية وصناعية وثقافية، حتى صارت تستورد البيض والبرتقال والطماطم، ومالت إلى التجربة اللبيرالية، فنهش خيراتِها الفرنسيُّون والإسبان والأمريكيون، عبر استثمارات “رابح- خاسر”، أو الوهم المعسول، فضاعت السنواتُ ومعها المعنويات والأموال، ووصلنا في فترة سابقة، إلى درجة أنه لم يعد للجزائر اقتصاد، لا اشتراكي ولا رأسمالي، حتى صرنا أشبه بالسوق الشعبي الكبير، الذي ينتظر ريع النفط لتوزيعه على مختلف الحقائب الوزارية، لتشتري به من أسواق الخردة الغربية ما لا لذة فيه ولا طيب، في أكبر “لا شيء” في عالم الاقتصاد.

هناك مؤشراتٌ حقيقية في الفترة الأخيرة، لإقلاع قد يكون الأهم في تاريخ الجزائر الاقتصادي، ليس من إعلان سنة 2022 سنةً اقتصادية بامتياز فقط، بل يتمثل أوَّلا في الخرجات الاقتصادية اليومية الجديدة التي أحدثت ما يشبه “الديكليك”، من طاقة شمسية تؤسس لاقتصاد حديث، ومؤسسات مصغرة، وتنوُّع المغامرات الفلاحية والمنجمية والبترولية والخدماتية، وخاصة في تنويع شركاء الخارج في هذه العمليات الضخمة، من صينيين وروس وأتراك وقطريين وإيطاليين… بعيدا عن الجشع الغربي، الذي كان يمنحنا السمكة متعفّنة، فلا نحن أكلناها ولا نحن أحسنّا صيدها.

أهم ظروف الإقلاع الاقتصادي سنحت الآن، من نيَّة وطموح، ولا تراجع، وتحسُّن ملحوظ في المداخيل النفطية، وكل المؤشرات توحي بأن الجزائر مقبلة على أيام هي بالتأكيد أحسن من التي مضت، بالرغم من المطبّات الكثيرة التي ستجدها في طريقها، والتي تراكمت منذ عقود النوم العميق والابتعاد عن جادة الصواب في تسيير شؤون البلاد والتعامل مع العباد في المجال الاقتصادي، الذي حوّل الجزائر إلى “بازار” يلتفت إليه العالمُ في زمن البحبوحة المالية عندما يرتفع سعر النفط من أجل أن يبيعوا فيه ما تعفّنت قيمتُه وغلا ثمنُه، ويبتعدون عنه عندما تنهار أسعار النفط.

في الثورات الاقتصادية الكبرى كما حدث في البرازيل والهند والصين وأندونيسيا وتركيا، كانت الشهيَّة تتفتح دائما مع الأكل، وكلما دخلت البلادُ في مشروع ناجح، ولّد أفكارا ومشاريعَ جديدة، فكان هدف أندونسيا مثلا بعد أن خرجت من أوبيك بعد جفاف آبار نفطها، أن توصل البلد إلى اكتفاء غذائي، فإذا بها تنتقل إلى تصدير الغذاء والمنتجات الصناعية بما فيها البواخر والطائرات، وسيكون حال الجزائر أحسن من هذه البلدان، لأن الأرض بكنوزها مازالت عذراء، والذين تحدَّثوا عن شركات كبرى سترى النور في ضخامة “سوناطراك” وأكبر منها، في مجال المناجم من حديد وفوسفات وذهب وغيرها من الكنوز، والذين راهنوا على زراعة نباتات الزيت والسكر وحتى البنّ، وتحجيم الاستيراد إلى أرقام مجهرية، كانوا على صواب، في بلد يبدو أن أرضه وبحره وجوّه الذي يتوسط العالم ويستفيد من تاريخ وجغرافية على المقاس، كلما ضربت فيها بفأس إلا وتفجَّرت الحجارة أنهارا “وإن منها لما يَشّقَّقُ فيخرج منها الماء”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!