الرأي

الدّستور الجديد.. لا “النّافية” التي تعني “نَعَم”

بومدين بوزيد
  • 2922
  • 10
الشروق أونلاين

كانت هزيمة الأمير عبدالقادر في تأسيس دولته وتحرير أرض أجداده تكمن في إذكاء “العصبيّة القبليّة” التي استطاع في نشوء مملكته أن ينتصر عليها توافقاً وتوازناً في ترتيب وظائف المُلك وتوزيع الغنيمة، ولأن عَقْد البيعة في أعناقهم من شيوخهم الرّوحيين والفقهاء الذين يُمثّلون معظم القبائل التي انضوت تحت قيادته، ولأنّ بعضاً من هذه العُروش كان مَخزَناً في العهد التركي واستفاد من البايلك وكان له الامتياز والحُكم على بقيّة من قومِهم، فكانت نظرتهم متابعة المصير إلى من يَؤول النّصر فقدّر بعض وجهائِهم ذلك ونفثوا في أتباعهم اختيار الصفّ الفرنسي، فكانت قاصمة الظّهر للأمير لأنّ بعض هذه العروش أكثر تنظيماً ومراساً في الحروب، في حين بعض العروش الأخرى التي كانت تعاني من ظُلم هؤلاء في الزمن التركي السّابق نشط مخيال الانتقام عندها، وتمّ تحريك المكمون وتغذيته وعاملت سيئاً من كان منهم القيادة والأغوات سابقاً.

ارتكب محيط الأمير من الأقارب والأصدقاء حماقات وانتهاكات منها القتل التصفية الجسدية لبعض الذين لم يحاكموا واتهموا بالخيانة مثل بلعريبي وشيخ الأمير في الفلسفة الطاهر القاضي الرزيوي، عاملان كانا أكثر فتكاً من الاستعمار الفرنسي “جاهليّة العروشيّة” و “محيط الأمير”،

سيكون العاملان بثوب آخر زمن الحركة الوطنية التي عرفت شقاقاً في بعض أطيافها السيّاسية بسبب “الأزمة البربريّة”، وقبل ذلك في المغرب كان “الظّهير البربري” الذي جعل شيوخ الدّين يقرؤون “اللّطِيفة” في المساجِد والزّوايا من أجل أن يحمي الله الأخوّة الأمازيغيّة العربيّة، في مثل هذه الأجواء نَشَط “التّأويل الفَاسِد” للتّاريخ و”لمعجميّة حضارية” تحوّلت إلى “مُعجميّة صِراعية” مثل كلمة العَرب، والبربر، والإسلام، والأمّة، والقوميّة..إلخ، وبفضل الثّورة التحريرية تمّ تأجيل ذلك، أو الأصح تمّ تخزين الخِلاف في اللاشعور أو بفعل الدّولة الوطنيّة التي لم تقدّر سياسياً واستراتيجياً خطورة ذلك وضرورة تفكيك هذه المتفجرّات التي تظهر في الأزمات.

أمّا العامل الثاني فبقي مُستمراً في هرم السّلطة بعد الاستقلال “البِطانة السّيّئة” التي تتغذّى من تعفّن الإدارة وغياب المؤسّسات الدّيمقراطية والمال الفاسد.

تُرى هل نستطيع تجاوز “المعجميّة الصّراعية”؟ ومن الفهم السّقيم للتّاريخ والثّقافة؟ وهل سيكون الدّستور الجديد مفتاحاً نحو طريق طويل من الإصلاحات تنقلنا إلى “المواطَنة” و”الوِحْدة” وتحرّرنا من “دولة الإدارة” و”التلوّث الايديولجي”؟

سنكون أمام ثلاثة أصناف يوم الاستفتاء على الدّستور، الذي هو استفتاء بالسّؤال التالي: هل أنت مع الدستور الجديد أم دستور 2016؟ إن “لا” النافية في اللغة تصبح “نعم” في السّياسة.

1- أصحاب “حمار بوريدان” الذي لم يستطع الاختيار بين جوعه وعطشه في مسافة واحدة بين الأكل والماء الذي وضعا في تباعد عن يمينه وشماله، وهم الذين يفتقدون إرادة الاختيار بين “نَعم” أو “لا”، أو بالأحرى يختارون “نعم” في الظّاهر ولكن أغلبهم من الغشّاشين والانتهازيين، ويَسعون حين تتاح لهم الفُرصة ليكونوا من “أهل الغنيمة”.

2- أصحاب “سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” وهم أهل لا” النّافية مطلقاً”، وهؤلاء يتوزّعون بين فِرقٍ عدّة، منهم من هو قريب لـ”نعم” بواقعيّة ويحتاج حواراً وإقناعاً وإنصاتاً ممن يحسنون القول وليس زخرفه، ولا يكون من أهل “العصابة” الأولى الذين يبدلون جلودهم كالحنَشِ، ومنهم من هو بعيد عن “نعم” وتكون “لا” هي هويته الدائمة حتى ولو كانت المعجزة نزول مائدة من السّماء، لكن سيجد نفسه اختار “نعم” لدستور 2016، ولو هو يرفضه سابقاً ولاحقاً.

3- أصحاب “خُذ وطَالب” وهم الذين يَرون “ما لا يُدرَك كُلُّه لا يُتركُ جُلُّه”، وأن المعركة الحقيقيّة هي في القوانين المنظِّمة الآتية، وأنه ضروري الخُروج من هذه المرحلة بأخفّ الأضرار، وأنّ الاجماع الكلّي مستحيل في الدّساتير، والتوافق والتنازل والتّفاهم هي شروط الانتقال إلى مرحلة جديدة، ولو أنّ هذه المرحلة تحتاج لكتلة جديدة ولقوّة سياسية جديدة لا أراها في القريب العاجل، أي أن وجب الكفاح من أجل ذلك والخروج من طِين “التلوّث الأيديولوجي”.

مقالات ذات صلة