-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الدّستور الجزائريّ.. متى سيعزّز مكانة الإسلام؟

سلطان بركاني
  • 5417
  • 0
الدّستور الجزائريّ.. متى سيعزّز مكانة الإسلام؟

نقاشٌ واسع ومحتدم أثير في الأيام الماضية حول مسودّة تعديل الدّستور التي أُفرج عنها في الـ28 من شهر ديسمبر المنصرم، وكان لافتا أنّ الموادّ المتعلّقة بشروط الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية، وبتعزيز مكانة اللّغة العربيّة وترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية رسمية، نالت حصّة الأسد من النّقاش، بينما جرى التّغاضي عن خلوّ التّعديل الذي طال انتظاره من أيّ موادّ جديدة تعزّز مكانة الدّين الإسلاميّ، على الرغم من أنّ ديباجة المسودّة موضع النّقاش تشير بوضوح إلى أنّ الدّولة ينبغي أن تكون معنية دوما بترقية وتطوير “كلّ واحدة” من المكوّنات الأساسية للهوية، الإسلام والعروبة والأمازيغية، بل على النّقيض ممّا كان منتظرا، تضمّن التّعديل إضافة عبارة فضفاضة إلى المادة 36 من الدّستور، تنصّ على أنّ “حرية ممارسة العبادة مضمونة في ظلّ احترام القانون”، وهي العبارة التي رأت فيها بعض الأوساط خطوة إلى الوراء على طريق تعزيز مكانة أهمّ مكوّن من مكوّنات الهوية الوطنيّة.

 الدّستور وتكريس إسلاميّة الدّولة

ينصّ الدّستور الجزائريّ في ديباجته على أنّ “الجزائر أرض الإسلام”، وفي مادّته الثّانية على أنّ “الإسلام دين الدولة”، أمّا المادة 73 فتشترط في رئيس الجمهورية أن يكون مسلماً، وتُلزمه المادة 76 بأن يقسم بالله العليّ العظيم على أن يحترم الدّين الإسلاميّ ويمجّده، وتنصّ المادّة 8 على أنّ الشّعب يختار لنفسه مؤسسات، لها غايات ومهامّ، من أهمّها “المحافظة على الهوية والوحدة الوطنيتين، ودعمهما”، كما تنصّ المادة 9 على أنّه “لا يجوز للمؤسّسات أن تقوم بأيّ سلوك مخالف للخُلُق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر”، وتمنع المادّة 41 مكرر2 التي أُضيفت إلى مسودّة التّعديل الأخير التذرّعَ بحرّية الصّحافة للإساءة إلى “ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية”، كما تمنع المادة 42 التذرّعَ بحقّ إنشاء الأحزاب السياسية “لضرب القيم والمكوّنات الأساسية للهوية الوطنية”، وتقطع المادة 178 الطّريق أمام أيّ محاولة لإسقاط المادّة الثانية من الدّستور، فتقضي بمنع أيّ تعديل دستوريّ من أن يمسّ الثّوابت الوطنيّة التي من ضمنها “الإسلام باعتباره دينَ الدّولة”.

 

 أليس من حقّ المجلس الإسلامي الأعلى أن يضطلع بمهمّة مراقبة مدى التزام المؤسّسات بتعاليم وأخلاق الإسلام، ويرفع تقارير إلى الجهات المعنية -يُطلع عليها وسائل الإعلام- تتعلّق بالخروق المتعمّدة وغير المتعمّدة لمبادئ وتعاليم الدّين الحنيف؟.

هذه الموادّ، لا شكّ أنّها موادّ مهمّة في مضمونها لتكريس الهدف الأسمى الذي اندلعت لأجله ثورة نوفمبر، ولكنّها وبالنّظر إلى عموميتها وسطحيتها، تبقى غير كافية لتكريس مكانة الإسلام في بلدٍ يشكّل المسلمون 99% من مواطنيه؛ فالمادّة 76 مثلا تُلزم رئيس الجمهوريّة بأن يُقْسم على احترام الإسلام وتمجيده، لكنّ هذا النصّ لا يُلزمه -في ظاهره- بأن يطبّق مبادئ الإسلام ويُلزمَ مؤسّساتِ الدّولة بتطبيق تشريعاته وتعاليمه، والمادّة 8 التي تلزم مؤسّسات الدّولة الحفاظَ على الهوية الوطنية، ومعها المادّة 9 التي تمنع هذه المؤسّسات القيامَ بأيّ سلوك مخالف للخلق الإسلاميّ، هاتان المادّتان لا تمنعان صراحة مؤسّسات الدّولة من سنّ قوانين وتشريعات وإصدار تعليمات –كتابية أو شفهية- تخالف قطعيات الشّريعة الإسلاميّة؛ فالمؤسّسات التي تمنع موظّفاتها من لبس الحجاب مثلا أو تلك التي تمنح قروضا ربوية، لا يسلّم القائمون عليها لمنتقديهم بأنّهم يخالفون المادّتين 8 و9 من الدّستور!.

مفتي الجمهورية لا يزال غائبا

اهتمّت التّعديلات المقترحة على الدّستور بترقية مكانة اللّغة الأمازيغيّة وتعزيز مكانة اللّغة العربيّة، كما اهتمّت أكثر من هذا وذاك بتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، وباستحداث مجالس استشارية وهيئات رقابية، لحقوق الإنسان، وأخرى مستقلّة لمكافحة الفساد، وأخرى للشّباب وللبحث العلميّ والتّكنولوجيّ، لكنّ هذه التّعديلات لم تهتمّ باستحداث هيئة لتعزيز مكانة الإسلام وفرض ومراقبة احترامه واحترام مبادئه وتشريعاته، فعلاوة على كونها لم تنصّ على استحداث منصب “مفتي الجمهورية” الذي طال انتظاره، فإنّها أبقت على الدور الاستشاريّ الصّوريّ الضيّق للمجلس الإسلاميّ الأعلى، ولا تزال المادّة 171 تنصّ على أنّ دوره لا يتعدّى “إبداء الحكم الشّرعيّ فيما يُعرض عليه”، وهو ما يُفهم منه أنّ المجلس يقتصر دوره على الإدلاء بدلوه فيما يُعرض عليه من مسائل تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، ولا شأن له بما لا يُعرض عليه، فـ”مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”!، وبالتالي فهو ممنوع من أيّ دور رقابيّ يخوّل له المبادرة بإبداء الحكم الشّرعيّ في قضايا الشّأن العامّ والتّنبيه إلى الخروق المتكرّرة لتعاليم الدّين الحنيف.

 وفي مقابل هذا الإجحاف، نجد التّعديل الأخير استحدث مجالس استشارية وهيئات رقابية جديدة، أغدق عليها صلاحيات حُرمَها المجلس الإسلاميّ الأعلى، والسّؤال البديهيّ الذي يطرح هنا هو: لماذا يُضَنّ على المجلس الإسلاميّ الأعلى بصلاحيات مكافئة للصّلاحيات التي منحت للمجالس والهيئات الأخرى؟ أليس من حقّ هذا المجلس أن يضطلع بمهمّة مراقبة مدى التزام المؤسّسات بتعاليم وأخلاق الإسلام، ويرفع تقارير إلى الجهات المعنية -يُطلع عليها وسائل الإعلام- تتعلّق بالخروق المتعمّدة وغير المتعمّدة لمبادئ وتعاليم الدّين الحنيف؟.

المصدرية الغائبة

علاوة على الحاجة الملحّة إلى تعزيز دور المجلس الإسلاميّ الأعلى، فإنّ هناك حاجة أكثر إلحاحا إلى إعادة النّظر في صياغة بعض النّصوص الدّستوريّة، ولِمَ لا دعمها بنصوص أخرى، تقطع الطّريق أمام المناورات والتّأويلات المسوّغة للانفلات والتمرّد على الثّوابت والمسلّمات.

 تبرز الحاجة إلى إسناد المادة الثانية من الدّستور بموادّ أو على الأقلّ بعباراتٍ مكمّلة، ترتقي بها من كونها مجرّد مادّة يُتَبرّك بها، إلى مادّة تُلقي بأثرها على القوانين والتّشريعات والمراسيم التي تصدر عن مختلف الهيئات والمؤسّسات، كأنْ تنصّ هذه المادّة مثلا على أنّ “الإسلام دين الدّولة، ومبادئ الشّريعة الإسلاميّة هي المصدر الأساسيّ للتّشريع”

وفي هذا الصّدد، تبرز الحاجة إلى إسناد المادة الثانية من الدّستور بموادّ أو على الأقلّ بعباراتٍ مكمّلة، ترتقي بها من كونها مجرّد مادّة يُتَبرّك بها، إلى مادّة تُلقي بأثرها على القوانين والتّشريعات والمراسيم التي تصدر عن مختلف الهيئات والمؤسّسات، كأنْ تنصّ هذه المادّة مثلا على أنّ “الإسلام دين الدّولة، ومبادئ الشّريعة الإسلاميّة هي المصدر الأساسيّ للتّشريع”، كما هو منصوص عليه في دساتير كثير من الدّول العربيّة والإسلاميّة؛ ففي اليمن مثلا، ينصّ الدّستور في المادّة الثّالثة منه على أنّ “الشّريعة الإسلاميّة مصدرُ جميع التّشريعات”، وينصّ دستور سورية على أنّ “الفقه الإسلاميّ مصدرٌ رئيسيّ للتّشريع”، الدّستور البحرينيّ بدوره ينصّ على أنّ “الشّريعة الإسلاميّة مصدر رئيسيّ للتّشريع”، وهو المبدأ الذي تنصّ عليه دساتير كلّ من الإمارات والكويت وقطر، أمّا الدّستور السّودانيّ فينصّ في مادّته الرّابعة على أنّ “الشّريعة الإسلاميّة والعرف مصدران رئيسيان للتّشريع”، ويذهب الدّستور الباكستانيّ بعيدا في تكريس مرجعية الشّريعة الإسلاميّة فيؤكّد في مادّته 227 على إلزامية “تماشي سائر القوانين مع الإسلام، وعدم تشريع أيّ قوانين تعارض القرآن الكريم والسنّة النبويّة”، ومن جهته ينصّ الدّستور السّعوديّ في مادّته الأولى على أنّ دستور المملكة هو كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كما ينصّ الدّستور المصريّ في مادّته الثانية على أنّ “الإسلام دين الدّولة، ومبادئ الشّريعة الإسلاميّة هي المصدر الرّئيسيّ للتّشريع”.

وماذا بعد؟

مهما قيل من كلام عن مدى اهتمام الدّول آنفة الذّكر بترجمة النّصوص التي تكرّس مرجعية الشّريعة الإسلاميّة، على أرض الواقع، فإنّنا لا نشكّ في أنّ الشّعب الجزائريّ ليس أقلّ حرصا على دينه من شعوب هذه الدّول التي تقلّ نسبة المسلمين في بعضها عن 90%، ويستحقّ أن يكون دستوره معبّرا عن تطلّعاته، وأن يناضل الغيورون على ثوابته ومقوّماته لأجل تعزيز مكانة أهمّ عنصر من عناصر الهوية الجزائرية في الدّستور وفي الواقع، وينتقلوا من مرحلة الدّفاع التي جعلتهم يتراجعون في كلّ مرّة خطوة إلى الوراء، إلى مرحلة المبادرة التي تجعلهم يخطون خطوات حثيثة على طريق تحقيق أهداف ثورة أوّل نوفمبر. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!