-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قطع بوزن "الرّيش" تباع بالملايين

الذهب في الجزائر.. تجارة خارج القانون!

وهيبة سليماني
  • 11099
  • 0
الذهب في الجزائر.. تجارة خارج القانون!
أرشيف

باتت تجارة الذهب في الجزائر مهدّدة بالركود، إلى درجة العزوف شبه التام للمواطنين، حيث أثر الارتفاع الجنوني للمعدن النفيس على السوق المحلية، وأدى إلى مغادرة 50 بالمائة من المصنعين والحرفيين، مجال نشاطهم، الذي لطالما استمروا فيه لسنوات طويلة.. مليون سنتيم و3 آلاف دج.. هذا ما بلغه سعر الغرام من الذهب.. زيادات تصدم يوميا الكثير من الزبائن، وهم في الغالب المقبلون على الزواج!
ومع تدني القدرة الشرائية، وحالة الغلاء التي تعرفها البلاد، فإن الذهب رغم مغازلته جيوب الجزائريين في كل مناسبة، إلاّ أنّه أصبح مرتبطا في الغالب بالخطبة أو الزواج، مصنفا في خانة الكماليات، وساعدت إكسسوارات الفانتازيا على تخفيف وطأة الانجذاب إلى بريقه الأصفر، بينما أصحاب الصنعة وحدهم يصارعون الظروف الاقتصادية التي تهدد نشاطهم.

دخول محل الذهب كدخول سوق السيارات!
وبمجرد ولوج بعض محلات بيع الذهب في العاصمة، تلتمس الغلاء الذي يقابله عزوف ملحوظ عن شراء المعدن الأصفر النفيس، فمن خلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها “الشروق”، إلى هذه المحلات، لم نجد إلا زبونا واحدا في الغالب، يتفاوض حول خاتم أو سلسلة أو أقراط، وأوزان هذه المصوغات، مثل ريشة عصفور، لكن السعر يصدم في جميع الأحوال.
وفي محل أحد الصائغين بحسين داي، وجدنا سيدة خمسينية تتفاوض مع البائع على شراء خاتم، لا يقل ثمنه عن 6 ملايين سنتيم، قالت وهي تتأمل فيه وتضعه في إصبعها تارة وتنزعه تارة أخرى: “المبلغ كبير ولكن القناعة والإعجاب بهذا الخاتم ليس في نفس المستوى”.
وعبرت عن استيائها من أسعار باتت لا تسمح بشراء ما يرغب فيه، وما يملأ العيون من مجوهرات تغازل الجيوب في مناسبات خاصة مثل الخطبة والزواج، قائلة: “عندما ندخل محلا للمجوهرات كأننا ننوي شراء سيارة، وليس خاتما يزن غرامين أو غراما واحدا!”.
وكشف استطلاعنا عن تفاوت نسبي في سعر الغرام من الذهب بين الصائغين، حيث أكد لنا صاحب محل مجوهرات بباب الوادي، أنّ سعر الغرام المحلي يصل إلى مليون سنتيم و1500 دج، بينما بلغ المستورد مليون سنتيم و3000 دج، وفي محل آخر، غير بعيد عنه، يباع الغرام من الذهب المحلي بمليون سنتيم و1000 دج، والمستورد بمليون سنتيم و2000 دج.
ويضيف بائعو المعدن النفيس، وزن أحجار الكريستال التي ترصع بها المصوغات، إلى وزن الذهب الصافي، دون اعتبارها أنها مادة مغايرة أو ليست في نفس القيمة والغلاء، مما أدى إلى تفادي شراء المصوغات المحملة بالأحجار، وتفضيل قطع ذهبية من دونها.
وفي حال بيع الذهب المستعمل من طرف الزبائن إلى الصائغ، كما يسمى”كاصي”، فإن الغرام يشتريه هذا الأخير بمبالغ أقل من مليون سنتيم، حيث أكّد لنا صاحب محل بباب الوادي، أن “الكاصي” لا يتعدى 8500 دج للغرام.
وبحسب موقع إلكتروني خاص بأسعار الذهب في السوق الجزائرية الرسمية، فقد بلغت أمس، أونصة الذهب 267,560.71 دج للأوقية، ووصل سعر الغرام من عيار 24 إلى 8,603.24 دج، وعيار 22 إلى 7,886.30 دج، وعيار 21 إلى 7,527.83 دج، وعيار 18 بلغ سعره 6,452.43 دج للغرام.

فوضى في مهنة الذهب.. و50 بالمائة من الحرفيين هجروها
وحول الموضوع، كشف الرئيس السابق للفدرالية الوطنية للذهب، المصنّع كمال صديقي، في اتصال بـ”الشروق”، عن أهم المشاكل المتعلقة بتجارة الذهب في الجزائر، قائلا إنّ المادة الأوّلية ونقصها في السوق المحلية من أكثر العراقيل التي تواجهها المهنة، حيث أدى ذلك إلى عزوف ملحوظ عن خوض مجال التصنيع في المعدن النفيس.
ولفت المتحدّث الانتباه إلى جانب خطير جدا يتعلق بعدم احترام القانون المتعلق ببيع المصوغات الذهبية، بعيار 18 قيراطا المتعارف عليه في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، وهو العيار المعتمد في الجزائر، حيث إن أغلب تجار الذهب، بحسبه، ينشطون في فوضى ولا يحترمون حق المستهلك. هذا الأخير الذي يجهل ثقافة التعامل مع سوق هذا المعدن.
وقال صديقي إنّ بيع الذهب يشهد عشوائية، وهو أشبه باحتيال ونصب وغش، في الكثير من الأحيان، حيث استبعد أن تباع مصوغات للزبائن بعيار 18، خاصة أنّ المستهلك لا يملك معرفة كافية، ولا يفكر أصلا في مقاضاة الصائغ حتى في حال امتلاكه فاتورة مكتوبا فيها أن المصوغ المباع من عيار 18.
وأوضح كمال صديقي، بالقول: “إن الجزائريين يسرقون في سوق الذهب، ولا تباع لهم سوى سلع مغشوشة”، معتبرا أنّ ابتعاد نشاط الذهب عن القوانين والضوابط في ظل غياب الرقابة التي كانت، بحسبه، موجودة في التسعينيات أدخل هذه التجارة في دوامة الفوضى، ولم يعد ما يسمى بـ”سوق الذهب”.
واستغرب المتحدّث سياسة التعامل مع الذهب في الجزائر من طرف المؤسسات الرسمية، حيث بات أشبه بتجارة المخدرات قائلا: “اقتصاد الذهب في بلادنا، فيه حساسية زائدة واحتشام في التعامل مع ملفه، إلى درجة أنّ الأمر أصبح يضاهي التعامل مع الممنوعات”.
ومن جانبه، قال جابر بن سديرة، عضو اللّجنة الوطنية الوزارية لأخلقه التجارة، إنّ 50 بالمائة من المهنيين في صناعة وحرفة الذهب هجروا نشاطهم، بسبب وجود عدّة عراقيل أهمها المادة الأولية التي لا تمثل المحلية منها سوى نسبة قليلة، فهي نادرة وباهظة الثمن، وتباع فقط من طرف الوكالة الوطنية للذهب “أجينور” المزوّد الرسمي لحرفيي المجوهرات في المعادن النفسية في الجزائر، حيث يحصل هؤلاء سنويا على ما قيمته كيلوغرام واحد من الذهب وبأسعار، بحسب بن سديرة، أغلى من أسعار البورصة العالمية.

الاستيراد متوقّف.. وكل الذهب الأجنبي مهرّب
وفي نفس السياق، قال الرئيس السابق للفدرالية الوطنية للذهب، المصنع كمال صديقي، إن سوق هذا المعدن النفيس أشبه بسوق السيارات، حيث ترى سيارات فاخرة تدخل الجزائر وتباع في الوقت الذي يعلم الجميع أن استيرادها متوقف، وهكذا بالنسبة إلى الذهب، فإن الصائغين يخبرون زبائنهم بأن هناك ذهبا من إيطاليا وتركيا ومن فرنسا، وآخر محلي، والجميع يعلم، بحسبه، أن المستثمرين في المجال ممنوعون من استيراد الذهب، سواء المصنع أم المادة الأولية.
وأبدى صديقي استغرابه مما يحدث في تجارة الذهب، فأمام كل هذه المعادلة يقع المستهلك الضحية الأولى، ثم بعد ذلك تندثر حرفة المهنيين الحقيقيين، وتكثر الفوضى وتزول جميع معالم هذا الاختصاص.
ومن جهته، قال محمد حساني، رئيس منتدى التصدير والاستيراد، والتجارة الدولية والاستثمار، إنّ زيادة تهريب الذهب عن طريق “الكابة”، نحو الجزائر من طرف بعض التجار، شوّش على نشاط الحرفيين الأصليين، كما أن ذلك يعتبر خارج القانون وغشا ولا يخضع للمراقبة والمعاينة.
ويرى حساني بأنّ تحرير استيراد الذهب بطريقة شرعية يجب أن يكون في أقرب الآجال، خاصة أن الكثير من العائلات القادمة من دول لا تجرم نقل كميات من الذهب خلال التنقل والسفر مثل دبي، وجدت نفسها متابعة قضائيا بعد دخولها الجزائر، وذلك لأن بعضها كانت تملك مجوهرات واضطرت إلى جلبها معها.
وأكّد حساني أنّه راسل وزير التجارة، كمال رزيق، يلتمس منه تحرير استيراد الذهب، خاصة في ظل تخبّط الحرفيين في مشاكل عدّة سببها الأوّل نقص المادة الأولية، موضّحا أنّ قانون الاستثمار الجديد يحمل الكثير من الآفاق المستقبلية، وسيكون لملف الذهب نصيب قد يقنع أصحاب الصنعة.

سوريون وأجانب يحتالون على الجزائريين بورشات “الكاصي”
وإلى جانب الفوضى التي يعرفها سوق الذهب في الجزائر، فقد انتشرت مؤخرا ورشات غير شرعية لصناعة الذهب هي في الغالب لسوريين وأجانب عرب، حيث أكّد جبار بن سديرة، عضو اللجنة الوطنية الوزارية لأخلقه التجارة، أن ضحايا كثرا وقعوا في شباك مثل هذه الورشات، التي تنشط خارج القانون، وتعتمد على ذهب مستعمل يتم تذويبه، أي ما يعرف بـ”الكاصي”، وبعضها متواجد في الدويرة وبابا حسن.
وأشار إلى قضية السوري الذي احتال على زبائنه الجزائريين وأغلبهم نساء، وأخذ مصوغاتهن وفرّ إلى الخارج بعد أن فتح ورشة دون سجل تجاري، في حرفة الذهب وصناعة المصوغات، وذلك باعتماد مادة أوّلية من تذويب ذهب قديم.
وتأسّف بن سديرة لوقوع بعض الصائغين في قفص الاتهام بعد شرائه لذهب “الكاصي”، فرغم إلزام الزّبون الذي يبيع لهم ذهبا قديما، بنسخة بطاقة الهوية، إلاّ أنّهم يتابعون قضائيا، في حال اكتشاف الأمن أنّ ما اشتراه مسروق.
وأوضح، كمال صديقي، في هذا السياق، أن استعمال “الكاصي” من طرف الصائغين، هو في حد ذاته غش، وتدليس واحتيال على الزبون،فحتى اللجوء إلى بقايا مصوغات قديمة، يتطلب حرفة واحتراما للضوابط، بتصفية المعدن الذائب من كل الشوائب وضبطه على عيار 18.

العصابة نهبت ذهب تمنراست وثروات الجزائر في خطر
ودعا جابر بن سديرة، الممثل للاستثمار الأخلاقي في الجزائري، إلى منح قروض “لونساج” للمنقبين عن الذهب في الجنوب الذين يرغبون في فتح مؤسسات مصغرة، وقال إن الكثير منهم أودعوا ملفات الحصول على تراخيص النشاط منذ 7 أشهر، ولم يتلقوا الرد، حيث يرى بأنّ توفير المادة الأولية من المعدن النفيس ضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني.
ومن جهته، قال محمد حساني، رئيس منتدى التصدير والاستيراد، والتجارة الدولية والاستثمار، إن 24 شركة وطنية مصغرة تحصّلت على ترخيص للتنقيب عن الذهب في الجنوب، وهذا مؤشر إيجابي، يعطي آفاق جديدة مرحبا بها من طرف المهنيين في مجال صناعة المجوهرات والحلي.
وانتقد المتحدث الكثير من السياسات المتعلقة بمجال الذهب في بلادنا، مشيرا إلى أن العصابة السابقة التي كانت تحكم البلاد، استنزفت كميات من هذا المعدن كانت متواجدة فوق الأرض في منطقة تمنراست، داعيا إلى حماية مناطق صحراوية كانت خلال النظام السابق مثل كعكة، خطط لتجزئتها بهدف استغلال المعادن المتواجدة فيها، من طرف خليجيين وأجانب من دول أخرى.
ووصف حساني خصوصية التعامل مع تجارة الذهب في الجزائر بـ”التخوف والاحتشام والغموض” الذي يشبه نشاط تجارة الممنوعات المطاردة من طرف الدولة.
وبحسب كمال صديقي، الرئيس السابق للفدرالية الوطنية للذهب، فإن الجرأة والخطوة الحقيقية لتحرير حرفة الذهب واستيراده، يجب أن تبدأ بمنح الثقة في المصنعين، وفتح مجال الاستثمار في تصاميم المجوهرات، ومستلزمات الصناعة، وتوفير المادة الأولية، وخلق دينامية في سوق الذهب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!