الرأي

الذين يعلمون والذين لا يعلمون

محمد سليم قلالة
  • 4146
  • 13

المؤشرات الاقتصادية تكذب على الجزائر، والمراكز البحثية العالمية تعمل لصالح الصهيونية والامبريالية، والمعلومات التي تقدمها عنا هي مجرد تضليل وخداع، وعلينا أن نبقى ضمن وهم أننا نتقدم وهم يتأخرون وأننا ذات مرة سنكون سادة العالم. لعل هذه هي النتيجة التي يريدنا البعض أن نصل إليها لكي نُصنَّّف بأننا أوفياء وطنيون ونضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار…

لنفترض أن كل الأرقام التي تقدمها المؤسسات العالمية في الجانب الاقتصادي غير صحيحة، وأنهم تعمّدوا مغالطة العالم بشأننا لأننا أهم من الصين وروسيا و اليابان وماليزيا واندونيسيا وإيران وإفريقيا الجنوبية والبرازيل وتركيا، هم لا يكذبون على هذه البلدان عندما يصنفونها ضمن مجموعة “البريكس”BRICS  (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) التي تَسير نحو التقدم، ويكذبون علينا بسبب الغيرة من تقدمنا أو الخوف من أن نُحسَد من قبل دول العالم. يؤسفني ألا أجد سوى هذه الأوصاف لأقدمها مبررا لأولئك الذين يعتقدون بأن تصنيفنا في ذيل ترتيب دول العالم غير حقيقي ومخالف للواقع. وقد قامت به مؤسسات نسمح لأنفسنا بأن نطلق عليها كافة الأوصاف إلا أن تكون موضوعية. هذه المؤسسات هي ذاتية وغير محايدة وعميلة معنا نحن فقط أما مع باقي البلدان فهي تعمل بموضوعية وحياد تامين.

منطق غير سليم تماما يجعلني  أكاد أجزم أن هناك من يدفعنا إلى التصرف ضد العقل والمنطق أو لا نكون، كما الأمر تماما في الشأن السياسي عندما أرادنا البعض أن نصدق أن 3 أحزاب أو أربعة استطاعت أن تجمع ثلاثة ملايين في ثلاثة أيام وهي التي لم تستطع جمع مليونين من الأصوات في 05 أعوام. والحجة في ذلك أقبح من الذنب أن جمع التوقيعات ليس هو ذاته التصويت وكأن الأول أسهل من الثاني في تبرير يدفع بالعقل إلى التوقف تماما…

ولنفترض ثانية أن هناك تلاعبا بالأرقام بالنسبة لجميع دول العالم بما في ذلك الجزائر ونُكذّب باليمين القاطعة أنها تحتل في مجال مؤشرات الحرية الاقتصادية المرتبة 146 تسبقها في ذلك جزر القمر  وبورندي  وغينيا والسينغال وغيرها… لنؤمن بأن كل هذه المعطيات كاذبة هل نستطيع أن نُكذِّب أنفسنا بأن بلدنا هو الوحيد من البلاد البترولية والغنية نسبيا من مازال  لا يستخدم لحد الآن بطاقات الائتمان في التسوق، وأن النقود الإلكترونية لم تعرف بعد إلى جيوبنا سبيلا، بل ولا نعرف، ولا نؤمن سوى بالبيع والشراء  “كاش” وبالأوراق التي كادت تصبح جميعها مترهلة من كثرة الاستخدام…؟

مرة أخرى لنفترض أن هذه كلها أوهام ودعايات مضادة ضد بلدنا، ونتوقف قليلا عند مؤشرات البحث العلمي التي لا يرقى أدنى شك في صحتها. إلا من لم يدخل الجامعة ولم يعرف معنى البحث العلمي ومعنى الإنتاج المعرفي. لا تستطيع المراكز البحثية أن تنسب لك بحثا منشورا وأنت لم تنشره، ولا تستطيع أن تحذفه من المجلات العلمية إذا ما اعتمدته. ولا تستطيع أن تتبع كل المنشورات البحثية في العالم لتحذف منها عنوان بحث صدر في معهد من معاهدنا الجامعية لأنها لا تستطيع ذلك، فكل دورية محكمة إلا وتم طبع آلاف النسخ منها، وكل بحث إلا وقرأه الآلاف أو اقتبس منه الآلاف بعد النشر.. ولا يعتد بالأبحاث غير المنشورة مهما كانت قيمتها..

 

انطلاقا من هذا هل يمكن أن نفتخر بإنجازاتنا؟

لا أريد أن يكون طموحنا كبيرا ونضع جامعاتنا بين الـ 500 جامعة الأولى في العالم بالرغم من أن دولا هي أقل منا إمكانيات مالية تمكنت من فرض مكانتها بين الأمم حيث احتلت جامعة بيلكانت التركية المرتبة 226 عالميا وهي أول رتبة تحتلها دولة مسلمة، وجامعة ويتواترساند بافريقيا الجنوبية المرتبة 226  وجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية المرتبة 301 مع جامعة شريف للتكنولوجيا الإيرانية… أما أحسن جامعة لدينا فقد صنفت خارج الترتيب عالميا حتى لا أذكر الرتبة المنحطة…

ونحن لا نستطيع أن نُكذِّب هذا التصنيف إلا إذا كذَّبنا أن أفضل 50 جامعة في العالم إنما توجد في الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا واليابان وسنغفورة وكندا واستراليا والسويد وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والصين وألمانيا… وإذا كذبنا أن هذه الدول ليست متقدمة، وقلنا بأننا لا نعيش مما تجود علينا بصناعتها وإنتاجها الغذائي…

نقول هذا الكلام ليس لنثبط العزائم أو نعمق اليأس، إنما لكي لا نبقى ضمن الغرور أننا نسير بالطريق الصحيح وعلينا أن نستمر في ذلك.. نقوله لكي نعرف أن دولا مثل تونس وماليزيا وإيران قد تمكنت بفضل سياسية بحثية حقيقية أن تخطو خطوات باتجاه التقدم وتبتعد عنا. وقد قمنا بهذه المقارنة من خلال البرنامج التفاعلي الذي يقدمه موقع  www.scimagojr.com  المتخصص في مراقبة البحث العلمي في العالم من خلال عديد المؤشرات القابلة للمراقبة (عدد الوثائق المنشورة، الاقتباسات، التعاون الدولي…الخ). فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة من خلال زاوية المقارنة بالموقع كالتالي: انتقلت تونس من إنتاج 439 بحث في سنة 1996 إلى انتاج 5170 بحث سنة 2012، وماليزيا من 957 بحث إلى 20838 في نفس الفترة، وإيران من 819 بحث إلى 39384 بحث، والجزائر من 369 بحث إلى 3800 بحث، وهي النتائج التي جعلت إيران تنتقل من الرتبة  53 عالميا في سنة 1996 إلى الرتبة 17 عالميا في سنة 2012 وتكسر لأول مرة في تاريخ المسلمين المعاصر ميزان القوة المعرفي مع الكيان الإسرائيلي الذي تدحرج إلى الرتبة  28 سنة 2012 بعد أن كان في الرتبة 19 سنة 1996، (انظر مقالنا السابق بهذا الصدد)، أما بلادنا فكانت في سنة 1996 في الرتبة 69 وتقدمت إلى الرتبة 54 في سنة 2012، أي أن انتقالها إلى أعلى كان بطيئا وبفارق كبير في عدد الأبحاث المنجزة مع دولة مثل إيران قريبة منا في الموارد (مقارنة بعدد السكان)..

 

هل بعد هذا لا نستطيع تقييم أنفسنا موضوعيا؟

أظن بأننا سنكون غير موضوعيين إذا كذَّبنا هذا الواقع غير المتناسب تماما مع عدد الجامعات التي نملك وعدد الطلبة والباحثين والإنفاق الحكومي في هذا المجال؟

لماذا لم نتقدم؟ هنا يكمن السؤال. لأن سياسة التعليم العالي والبحث العلمي لم تكن قائمة على أولوية البحث وأولية الباحث لتحقيق ذلك، إنما على أولوية الكم قبل الكيف، والإنفاق غير المبرر، والأهداف غير المحددة والأولويات الضائعة.. إننا لا نفتقر لا للإمكانيات البشرية ولا للوسائل المالية والمادية ولكننا نفتقر للعقل الذي يرسم السياسة الصحيحة، ولا يكذب على الناس بالقول إننا يمكن أن نتقدم بلا علم ويمكن أن نصبح أغنياء بلا عمل… الشعار الذي يرفعه البعض اليوم على أساس أنه شعار الحاذقين، وهو شعار من يؤمن بأنه لا يستوي الذين يملكون والذين لا يملكون  بدل أن يؤمن بقوله تعالى “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب”. الزمر: 09

مقالات ذات صلة