الرأي

الراية الكاذبة لطلاب اللجوء السياسي

حبيب راشدين
  • 5077
  • 25

كان ينبغي أن نتوقف قليلا عند المعلومة الصادمة التي كشفها المدير العام لـ”المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية” تشير إلى “ارتفاع عدد طلبات لجوء الجزائريين إلى فرنسا، وقد بلغ 2456 طلب سنة 2017” فيما حجز 1500 موعد قبل نهاية الشهر الأول من 2018 مع الدفع المسبق للخدمة المالية، والصبر المهين في طوابير الانتظار.

قبل عشرين سنة، كان يعقل أن يلجأ من كان يظن نفسه مستهدَفا من الدولة، أو من الجماعات المسلحة، أو من الاثنين معا، لطلب الحماية في بلد “لا يظلم فيه أحد” حتى وإن كانت القبلة الفرنسية، وستظل في أعين الجزائريين قبلة فاسدة لا يحج إليها مظلوم، كان أشرف له أن يصبر ويحتسب، أو يثور ويصابر، على أن يلجأ للدولة التي احتلت واستوطنت وأبادت شعبه بلا حساب، ولا تخجل من عرض جماجم الشهداء الجزائريين بمتاحفها. 

قد نتفهم ضيق حال بعض الشباب “الحراق” ونفاد صبرهم، واستعجالهم لأنعم جنة تعِد بها فضائيات ما وراء البحر ـ هي في الغالب أقرب إلى جنة الدجال في بعض الأحاديث ـ وهم في كل الأحوال أصدق حالا من هذه الطائفة التي تتحايل على الدولتين: دولة اللجوء، المتهمة يقينا بجرائمها الاستعمارية، والدولة المتهمة ـ بالظن ـ بما يبرر الهرولة لطلب اللجوء والحماية.

يقينا سوف يسارع بعضهم إلى القول: “ليس لك علمٌ بحقيقة أحوال الناس، وبما يكون قد ألجأ هؤلاء إلى طلب اللجوء والحماية من الظلم والجور” وهذا كلام لا يُردُّ في ظاهره، لولا أن المعلومة تفيد أن الـ2456 طالب لجوء لفرنسا، كانوا أحرارا طلقاء، قادرين على الاقتراب من السفارة والمداومة في الطوابير المهينة دون ملاحقة أمنية، وهم إلى يومنا ينتظرون الجواب في بيوتهم أو مقر عملهم ـ بلا مضايقةـ وأغلبهم سوف يصاب بالخيبة، ثم يواصل حياته العادية كمواطن لا كلاجئ في بلده.

ثم إن البلد لم يعد تحت التهديد، لا من جهة “إرهاب” قد استؤصل، أو إسلاميين قد أفل نجمهم، ولا من جهة دولة تكون قد تعلمت من العشرية السوداء أن بعض الظلم يوّلد “ظلاميين” حتى عند من لا دين له، ويسود صفوف العصيان، وقوافل الناقمين، والجانحين إلى العنف، الذي يكلفها أضعاف ما كان سيكلفها رفع الظلم عنهم، وليس البلد اليوم ـ مع ما فيه من مظالم اجتماعية هي سمة العصرـ مصنفا في قائمة الدول المصدِّرة لمن هم أهل للحماية الدولية، وليست فرنسا بالبلد القدوة الذي “لا يُظلم فيه أحد”، وهو الذي تتعامل دولته مع مواطنيها من الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين كما يتعامل الكيان الصهيوني مع عرب 48 أو حتى مع أبناء ملته من اليهود الفلاشا.

توجيه طلب اللجوء السياسي لفرنسا تحديدا ـ حتى حين تقوم شروطه المعلومةـ لا يختلف أصحابُه عن من فارقَ الجماعة بالأمس، وطلب حماية مجمعات “La sas” ثم لبس بذلة “الحركة” التي يلاحق عارُها ذرّيتَه كابرا عن كابر، بل قد تكون دوافع أولئك أقرب إلى التصديق وتزوير العذر لها، من “الراية الكاذبة” التي يرفعها اليوم من يطلب اللجوء السياسي في بلدٍ أنكر وينكر جرائمه الاستعمارية الموثقة حتى يأتمنه مظلومٌ شريف على حقوقه وعرضه.

مقالات ذات صلة