-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرقمنة لإنصاف الجزائريين وبناء الدولة

الرقمنة لإنصاف الجزائريين وبناء الدولة

نجاح وزارتي التربية والتعليم العالي في تسيير عمليات التوظيف، وباقي الخدمات الموجّهة للطلبة والمستخدَمين، يجعل تحدّي الانتقال إلى الرقمنة في الجزائر واقعا ملموسًا بصفة تدريجيّة، ومبشّرا بتدشين عهد جديد، تنتهي فيه عذابات المواطنين مع البيروقراطية والمحسوبيّة وطوابير الذلّ والفوضى.

لقد خلّفت إدارة التوظيف وتسجيلات الاستفادة من الخدمات بالقطاعين ارتياحا كبيرا لدى المعنيين، على الأقل، على المستوى الإجرائي، لما وفرته من وقت وجهد، جعل هؤلاء في راحة من الأمر، لكن الأهمّ في الملف هو أن العملية الرقمية تتوجه بنا نحو ضمان الشفافية الكاملة في تحقيق تكافؤ الفرص بين الجزائريين، تحقيقا لمبدأ المساواة الدستوري والقانوني.

عملية الرقمنة التي فرضتها الوصاية، ضمن مخطط رئيس الجمهورية وتعليماته الصَّارمة لكل القطاعات، جعلت الجميع على علم مسبق بالمعايير الموحّدة المعمول بها في الانتقاء وطريقة الترتيب الاستحقاقي، وفق برمجية النظام الآلي، من دون أي تدخل من العامل البشري، والذي طالما عبث بملفات المترشحين المتنافسين، بناء على حسابات عائلية وعروشيّة وجهوية ومصلحيّة ضيقة، حرمت المستحقين من الأكْفاء، مقابل تقديم ذوي المعارف والنفوذ الإداري من دون أهلية مهنيّة.

أما اليوم، وفي ظل الإرادة الجادة والشفافيّة الرقميّة، فإنّ عهد ممارسات المحاباة سينتهي دون رجعة، لتسقط معه الاحتجاجاتُ الاجتماعية المشروعة سابقا ضدّ السلوكات التمييزيّة، وترتاح الإدارات من صداع الغضب الشعبي، لتتفرَّغ لمهامها الخدماتيّة.

بقي فقط أن نشير إلى مسألة جد مهمة في معايير التوظيف الآلي، وهي ضرورة اعتماد سلّم تنقيط متوازن للالتحاق بكل القطاعات، بعيدا عن المنطق الاجتماعي من دون إلغائه، لأنّ تحديد “عامل الأقدميّة” في نيل الشهادة الجامعية كمعيار حاسم في النجاح، يقلل من قيمة الخبرة المهنيّة وأهمية التحصيل العلمي، في حين أن المقاربة الموضوعية في التوظيف تقتضي وجوبًا التوازن بين تلك المحددات، من خلال تثمين التفوق الدراسي للمتخرجين واحتساب تراكم التجربة العملية، عوض التركيز فقط على سنوات البطالة، لأنّ التعليم أساسا، سواء العامّ منه أو الجامعي، ليس قطاعا للإدماج المهني، بل لانتقاء الكفاءات المؤهَّلة للعملية البيداغوجية بغضِّ النظر عن سنّها أو حالتها الاجتماعيّة.

الأمر ذاته ينطبق على ما جرى مؤخرا في توظيف أساتذة التعليم العالي، إذ كان من الأسلم فتح المجال أمام جميع حاملي الشهادات المؤهِّلة للتدريس الجامعي من البطالين والأجراء دون تمييز، تحقيقا لمبدأ المساواة من جهة، وبحثًا عن الطاقات الجديرة بالقطاع من جهة أخرى، بينما اقتصار المسابقة على فئة غير الأجراء يضيّق الفرص على الجامعة نفسها في اختيار الأفضل، ناهيك عن حرمان كفاءات طموحة، وهو ما نأمل استدراكه مستقبلا بتدابير تكميلية.

أمّا أخطر رهانات الانتقال الرقمي، فهي تلك المتعلقة باستكمال تطهير القطاع المالي بكل أجهزته، لأنه عصب الاقتصاد الوطني، لذلك، لم يكن قطّ من قبيل الصدفة أن يتأخر كل هذا الوقت في مواكبة الرقمنة، حتى أن المواطن العادي، فضلا عن المراقب المختص أو المتعامل في الميدان، يستغرب كيف أن الجزائر تمكّنت، منذ 10 سنوات تقريبًا، من رقمنة إدارات كثيرة، على غرار الضمان الاجتماعي والعدالة والحالة المدنية، على سبيل المثال لا الحصر، لكن قطاعات ثقيلة لا تزال حتى اليوم غارقة في حزم الأوراق والوثائق التقليدية، لكن الجواب بسيط: وهو أنّ مراكز المصالح المادية وقوى الريع تبقى فاعلة في مقاومة فرض الشفافية الرقميّة، لأنّ تغييرات جذرية ستنتج عنها في مجالات التحصيل الجبائي والديون العمومية لدى الشركاء الخدماتية وحقوق التأمين والاحتكار والصفقات العمومية وغيرها.

قد يقول قائل: وأين السلطة العامّة للدولة؟ ولا شك أنّه تساؤل مشروع، ردّ عليه الرئيس، عبد المجيد تبون ميدانيّا، يوم 02 أفريل الماضي، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، بإعلانه منْح قطاعات أملاك الدولة والضرائب والجمارك مهلة 6 أشهر دون تأخير للانتهاء من تعميم العملية الرقمية، بعدما اشتكى، في وقت سابق، من تقاعس بعض الإدارات في تنفيذ المشروع.

لقد جعل رئيس الجمهورية “الانتقال الرقمي” على رأس الرهانات الوطنية منذ تقلده شؤون البلاد، وللأمانة، فقد تحلّى بالإرادة والجرأة في فرض المخطط رغم كل المطبَّات والمقاومات الواضحة في كثير من المواقع، لكنّ النجاح الجماعي بتظافر الجهود في تنفيذ الطموح الرئاسي سيفتح أمام الجزائر آفاقا واسعة في الإصلاح المالي والبنكي والاقتصادي والخدماتي، لتحقيق وثبتها المرجوّة في الاستثمار ورفع الطاقة الإنتاجية والصادرات خارج المحروقات، لبناء اقتصاد عصري متوازن، لأنّ بلوغ مرحلة الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في كل القطاعات من الشروط الأساسية، ليس فقط لتحقيق المواطنة، بل لتأسيس دولة الحق والقانون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!