-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الروائي رشيد بوجدرة ورفاقه

الروائي رشيد بوجدرة ورفاقه

لسنا ممن يقرؤون الروايات والقصص بل نعترف بأننا من المتطفلين عليها والجاهلين بقواعدها، وإنما لدينا اهتمام بمواقف رجال العلم والثقافة والتربية، لا سيما أولئك المثقفين الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية.

شتّان بين الأحياء والأموات

ومن هؤلاء المثقفين أموات وأحياء. وما يلفت الانتباه هو تباين مواقف الجيل الذي رحل- أمثال مولود فرعون ومالك حداد وكاتب ياسين ومولود معمري ومحمد ديب- والجيل الذي ما زال على قيد الحياة- أمثال رشيد بوجدرة وواسيني لعرج وبوعلام صنصال والأمين الزاوي وكمال داود وغيرهم. كانت حياة القدامى حياة المثقفين “الزاهدين” المتمسكين بمواقفهم الإنسانية التي يحترمها القارئ مهما اختلف معهم في الرأي. 

أما الناظر في سلوكيات وتحركات أدباء اليوم فيشاهد في بعضها ما يندى لها جبين المواطن. ويحضرنا هنا استجواب إحدى القنوات الإعلامية الإلكترونية يوم 12 أوت للكاتب رشيد بوجدرة الذي أكد فيه عزمه على العودة إلى الكتابة باللغة الفرنسية لأنه يسترزق من كتبه ولأن المعربين لا يقرؤون ودور النشر تحتال على المؤلفين. 

ثم هاجم بوجدرة مجانًا رفيقيْه الأمين الزاوي وواسيني لعرج ليس بسبب مواقف لهما ذات طابع أدبي أو إنساني أو وطني أو سياسي، بل يعيب عليهما ضعفهما في اللغة الفرنسية التي يكتبان بها! ويبدو أنه تفطن بعد ذلك إلى أنه تجاوز حدود اللياقة معهما فراسل الموقع مكذّبا تفوّهه بذلك الكلام. لكن هذا الموقع دافع عن حرفيته بنشر التسجيل الصوتي لاستجواب بوجدرة الذي ورد فيه فعلا ذاك الحكم المسيء لزميليْه! 

وفي قضية مماثلة استغرب واسيني لعرج الذي أصدر عام 2015 رواية بعنوان “2084: حكاية العربي الأخير”، استغرب من زميله بوعلام صنصال. وسبب استغرابه هو أن صنصال أصدر أيضا رواية بعنوان “2084: نهاية العالم”. فلا شك لدى المتتبع أن في الأمر “اقتباسا” أو “سرقة”. ويندهش هذا المتتبع أكثر حينما يعلم أن العنوانين والروايتين مقتبستان فعلا من نفس الرواية، وهي تلك التي كتبها الروائي البريطاني الشهير جورج أرويل عام 1949 تحت عنوان “1984”!! أليس غريبا حقا أن يحدث ذلك بين كاتبين جزائريين يكتبان بنفس اللغة ويعيشان في نفس المحيط الاجتماعي والجغرافي، بل وقرأنا أن لعرج ذكر أنه تحادث مع صنصال عن روايته قبل صدورها؟

وبوعلام صنصال ذاع صيته في بعض الأوساط النافذة حينما زار مدينة القدس عام 2012، ووقف يتأمل أمام حائط المبكى وهو يرتدي قبعة (كيباه) اليهود الأرثدوكس، ثم استضيف في ما يشبه بيت أحد الإسرائيليين هناك وأحاطت به جماعة من المثقفين والفنانين الإسرائيليين ظلوا يحاورونه خلال مدة تقارب ساعتين حول ما حدث ويحدث في الجزائر وحول سياستها وتوجهها لا سيما إزاء إسرائيل. 

وكان يحلو للروائي الجزائري التندّر بمواقف بلده وكان يروي لهؤلاء القصص والوقائع التي عايشها مثل تلك التي التقى فيها سرا بوزير إسرائيلي عندما كان موظفا في وزارة الصناعة الجزائرية خلال التسعينيات. وكان هذا الوزير– حسب ما يرويه صنصال- قد عرض عليه آنذاك 500 مشروع اقتصادي استثماري إسرائيلي بالجزائر، موضحا أن هذا الوزير أكد له أن اسم إسرائيل لن يظهر في هذه الاستثمارات، وأنها ستكون بأسماء شركات غربية لتسهيل تمريرها. وتأسف صنصال ومستمعوه عن عدم موافقة الجزائر على هذا النوع من الاستثمار. 

“علم حلال وآخر حرام”

أما الأمين الزاوي فمن يطلع على مقالاته الدورية باللغة الفرنسية في يومية ليبرتي فستتبادر إلى ذهنه الكثير من التساؤلات، منها : لماذا هذه السلسلة من المقالات التي تصب كلها في موضوع واحد؟ ولماذا هذه الحملة ذات الأسلوب والمضمون العدائي لكل فعل يعتمد على العقيدة الإسلامية؟ هل افتقر أديبنا إلى مواضيع أخرى لمقالاته ولم يبق له كمثقف سوى هذا الهاجس في حياة المواطن الجزائري؟! 

ولمن لم يطلع على هذه المقالات فهاهي عناوين تلك التي صدرت للزاوي منذ شهر ماي الماضي، نوردها بترتيبها الزمني: “ماذا لو لم يغادر اليهود المغاربيون المغرب الكبير؟”، “الله لا يقطن مكة”، “هل هناك وسطية في الإسلام؟”، “الريْفَنة والخوْنجة”، “الإسلام الفرانكفوني الجزائري”، “عِلم حلال وآخر حرام” ،”هل المسلم مواطن ضائع”، “كراهية العلمانية مرض إسلامي محض”، “جسد المرأة بين ‘البايلك’ والحُبُس”، “هذه النسوة اللواتي تكرهن المرأة”. 

أما في موضوع اللغة العربية التي يتقنها الأمين الزاوي إتقانا لا يضاهى كتابةً وإلقاءً فقد استغربنا في موقفه منها في المدة الأخيرة حين كتب أنها صارت حبيسة المساجد، وأن تحريرها من هذا القيد يمر لزوما بالتوجه نحو الدارجة. وإذا كان توظيف الدارج من الكلام عنصرا أساسيا في تطوير أي لغة- إن أتقن أهلها ذلك التوظيف- فالغريب هو أن نسعى لهذا التوظيف لا لسبب سوى لفصل اللغة عن المسجد. 

ولا نعتقد أن الأمين الزاوي بعيد جدا في نظرته المتطرفة عن الكاتب كمال داود الذي وصفته إحدى الأسبوعيات الفرنسية على صفحة غلافها منذ بضعة شهور بأنه “المثقف الذي يهزّ العالم”! وهو وصف لم نسمع أنه نُعِت به حتى عالم من أمثال ابن الهيثم ونيوتن وآينشتاين. لكن للإعلام الغربي وساسته قواعد معروفة عندما يهدفون إلى إبراز أبواق لهم في العالم الثالث. 

أليس أديبنا كمال داود هو من صرح في ديسمبر 2014 في حصة تلفزيونية فرنسية أننا “لن نتقدم ولن نعيد الاعتبار للإنسان ما لم نحسم في العالم، المسمى العالم العربي، قضية الله”. وكانت جريدة لوموند قد أصدرت حول قضية أخرى في مطلع 2016 نصا وقعه عدد من المثقفين الفرنسيين يعيب تطرف كمال داود جاء فيه أنه “يستعيد أسوأ كليشيهات المستشرقين” في نظرته إلى الدين. كما أن موقفه إزاء اللغة العربية وفلسطين ليس بريئا حينما يتحفظ عن التضامن مع فلسطين لأن قضيتها أخذت في دعواه “طابعا إسلاميا عربيا”، وهو يفضل التضامن مع قضايا الإنسان! 

لا نحتاج بعد هذا إلى المزيد من الإشارات لندرك أن الاسترزاق المادي والسعي وراء الأبّهة والنجومية لها سبل وأنفاق متعددة. ومن سبلها المعروفة أن يتاجر المثقف ونصف المثقف بالدين ليخادع الناس ويزيد من جاهه ومكانته في مجتمعنا. ومن سبلها أيضا أن يتاجر المثقف ذو الوجهة الأخرى بالدين وبمقومات وطنه ليرضي المجتمع الغربي وساسته. وبذلك يحتمي هذا المثقف بالأقوى فيتكلم لغته ويبجلها ويروّج لأفكار السادة ويوظف قلمه لحاميه حتى لو كانت كتاباته لا تخدم وطنه أو تسيء إليه. لو كان الزمن زمن حروب لصُنف بعض هؤلاء في فئة المرتزقة، وما أبشعها من صفة. أما ونحن في حالة سلم فلعل كاتب مقال “علم حلال وآخر حرام” يستطيع أن يوضح لنا هذه الإشكالية… فما أحوجنا إلى فهم أداء مثقفينا اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • فتحي

    من المفترض نحكم على صنصال من خلال تصريحه لا غير ما اتصاله بالاسرائيليين وهو يتولى مهمة في الدولة الجزائرية الا دليل على صهيونيته اما الامين الزاوي وواسيني فانهم يسعون الى مكانة بين المشاهير فالزاوي يطبق فكرة خالف تعرف بطريقته الخاصة يظن انه ابتكرها ولكن الناس فاقت اما واسيني فهو يسعى حثيثا الى نشر فكره وسمومه بطريقته كذلك فهو مثل النعامة اما بوجدرة المسكين فانه يعمل جاهدا على نشر افكاره التي اعلن عنها جهارا نهارا ويجب علينا ان نتجاهل هؤلاء القوم ولا نثير التساؤلات حولهم فيصبحون منسيين وهم يحاول

  • fakhreddine111

    للتصحيح فقط فإنه في تلك الفترة كان أحمد طالب الإبراهيمي وزيرا للثقافة و الإعلام،أما مهري فقد كان أمينا عاما لوزارة التربية

  • سمير

    أقرأ مقالاتك منذ فترة أتمنى أن تجمع هذه المقالات ، أو تدلنا على مكانها إن كنت فعلا قد جمعتها

  • طاب جنانو

    هذا شان العالم دائما من خمسة الاف سنة كانت المغنية والطبال يكسبان اكثر من الكاتب والنجار والحداد والخباز ولو انك دعوت انشتاين اليوم لندوة علمية ودعوت مطربة لترك الجمهور انشتاين وعلمه ولتجمعوا حول المغنية بالالوف وهذا ليس ذنبنا وانما سببه ان اكثر الناس من اهل الطرب والهوى ويمسحو الموس في ابليس اللعين ولكن ابليس يوريلك العفايس بصح ما يديرش عليك السيف

  • حر

    المفكر الكبير المغربى .د المهدى المنجرة يتكلم كثيرا عن الذلقراطية (الذل +الديمقراطية).وخاصة ذل الطبقة المثقفة امام كل الانحرفات الخطيرة.تجدهم لا يهمسون ولو بكلمة حق واحدة...فالخوف يشلهم...أما أعداء الامة فهم أشجع و أشرس.... سابقا قالوا..أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم.....ولا تسامح مع المبادئ..

  • jamel

    الذى فهمناه. ياأستاذ ان الروائي واسينى لعرج والروائى صنصال سرقا نفس الرواية الاجنبية القديمة واعادا كتابتها.....هم يخدعوننا بسرقة الادب الانجليزى الغير معروف عندنا.. اذا كان كذالك......فهو عار على الجزائر

  • شيماء

    وأخيرا قرأت مقالا يشفي غليلي.الأنسان المثقف هو الذي يربي أجيال و يغني بلده عن الإستزاق في مجالات عديدة.و أنا اسأل سؤلا:كن هذا الأبله الذي يقرأ لهؤلاء الناس؟قرات وأنا صغيرة لكا ادباء العالم و كنت حينها أقرأ باللغة الفرنسية و لم يخطر لي على بال ان اقرأ لبوجدرة أو طاهر وطار وأمثالهم

  • عيسى اللموشي

    في ذلك الوقت كان الشعب يعوم في جهل كبير و كان مهري و سعد الله و غيرهم من القومجيين يعملون دون كلل أو ملل على طمس هوية الجزائر الأصيلة ، و لكن في لمحة بصر ذهب عملهم هباءا منثورا بفضل الفضاء المفتوح الذي أوجده عالم الأنترنت ، حيث عبرت أغلبية الشعب الجزائري على ميولها للجزائر الأصيلة.

  • جزائري حر

    شكرا جزيلا دكتور على هذا المقال الرائع الذي تعري فيه أشباه المثقفين.

  • صالح بوقدير

    الوساطة أم المشارييع؟
    هل رفضت وساطة صنصال؟ أم المشاريع الاقتصادية الاستثمارية التي عرضهاعليه الوزير الاسرائيلي؟
    يبدولي أن صنصال لم يكن مأمونا عن سر كهذاخاصة في تلك الفترة ولذلك رفضت وساطته وأوهم بأن المشاريع رفضت حتى لايتم تسريبهامادام أن الوزير الاسرائيلي وصل إلى قلب وزارة الصناعة آنذاك.

  • فريد

    لحسن حظي اني كنت قد طالعت بعض إصدارات مجلة الثقافة التي كانت تصدر عن وزارة الاعلام و الثقافة أيام كان الاستاذ عبد الحميد مهري وزيرا و كان من كتابها ابو القاسم سعد الله ورفاقه, أيامها كان للثقافة معنى آخر, معنى نقيا يوافق كل مقومات الهوية الوطنية و يعتز بها, و كانت للثقافة قيمة حضارية لم تصبها لوثة بوجدرة و الزاوي و عصابتهما.

  • مروان بودربالة

    متألق كعادتك أستاذي المحترم أبو بكر خالد سعد الله ، تحياتي واحتراماتي

  • نبيل

    هذا هو مختصر الكلام :( والنجومية لها سبل وأنفاق متعددة. ومن سبلها المعروفة أن يتاجر المثقف ونصف المثقف بالدين ليخادع الناس ويزيد من جاهه ومكانته في مجتمعنا.)

  • حسان

    بعض من تسميهم بالمثقفين باعوا الشرف والوطن واعتقدوا ان معاداة الاسلام والمسلمين سيجلب لهم احترام الآخرين. دعني اوكد لك ان الغربيين يعرفون عن حضارة الاسلام وعن طبائع الاعراب اكثر مما يعرفه هولاء السطحيين من مثقفي اخر زمان
    والغرب لا يحترم أبدا شخصا تنكر لأصله ووطنه وعقيدته بل يشنون منه ويعتبره شخصا منبوذا وانظر الى سلمان رشدي الذي هاجم زوجات الرسول وآثار زوبعة بروايته "آيات شيطانية" لا احد يكن آه احتراما في المجتمع البريطاني ويعتبرونه شخصا غير مرغوب فيه إطلاقا . فلا تفكر ان الغرب غبي!!!؟؟