الرأي

الرواية الكاملة لـ”إعدام” عبان رمضان؟

كنت من بين الأساتذة الذين استمعوا إلى عدد من شهادات مجاهدي “التسليح والاتصالات العامة”، خلال ثورة التحرير، إلى جانب كل من أرزقي فراد وزغيدي وغيرهما، وكان اللقاء في بيت المجاهد محمد المقراني بحضور الكثير ممن كانوا في هذه المؤسسة الأمنية التي أنشأها المرحوم عبد الحفيظ بوصوف المدعو (سي المبروك) ومن بينهم منصور بوداود ومحمد لقمامي وعبد الرحمن بلمهدي وغيرهم. وكان الهدف من ذلك هو الكشف عن دور المخابرات في الثورة بتقديم حقائق وتصحيح أخطاء، بعيدا عن “الأضواء”. وبالرغم من أهمية المعلومات التي أدلى بها الحضور وقيمتها التاريخية والتوثيقية، إلاّ أن نشرها خارج إطار البحث العلمي قد يجلب لأصحابها المتاعب، فما الجديد في هذه الشهادات؟

انتحار الحاج علي وإعدام عبان

حقق مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) بفضل عبان رمضان تحولات سياسية في تسيير نظام الثورة، بحيث جاءت النتائج لصالح الأولويات، وهي أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري. وانعكست في مجلس الولاية الذي أصبح يتشكل من مسؤول عسكري وآخر سياسي وثالث للاستعلامات والاتصالات تحت إشراف قائد الولاية، الذي تم تجريده من اتخاذ قرار تعيين أو فصل نوابه، لكن مؤتمر القاهرة لعام 1957 تراجع عن هذه القرارات بحذف الأولويات، فاعتبر عبان رمضان ذلك إقصاءً له، وعاد إلى الداخل رفقة الحاج علي (أحد مناضلي منطقة الأوراس) إلاّ أن مجموعةبألقت القبض على الحاج علي ونقلته إلى فيلا بالمغرب، حيث تم استنطاقه بطريقة جعلته يفضل الانتحار على مقاومة التعذيب حسب الشهادات المقدمة.

يقدم فرحات عباس (رئيس أول حكومة مؤقتة للثورة) هذه الرواية نقلا عن بوصوف، زاعما أنالحاج عليتآمر مع عبان وهو يعدّ أحد رجالاته. وتم نقله إلى المغرب ليستنطقه بوصوف وكريم بلقاسم وعبد الله بن طوبال، إلا أن هذا الأخير رفض المشاركة في هذا الاستنطاق.

 يقول منصور بوداود، في شهادته المقدمة بتاريخ 4 أفريل 2015 في بيت مقراني، إنه شاهد محمود الشريف رفقة شخص آخر في المغرب ورفض ذكر اسمه، وأنه التقى كريم بلقاسم في بيته بعد اتصاله بودادية الجزائر لمعرفة الحقيقة فقال له كريم بلقاسم: “إنه أعدم، ولو يعود سأقتله بنفسي“.

 المقربون من كريم بلقاسم يقولون إن عبان وصف كريم بلقاسم بـأغيول، وتعني بالأمازيغيةحمارولكنني  أستبعد أن يكون إعدامه بسبب هذه الكلمة وإنما لأسباب أخرى، لأن إعدامه حسب شهادة منصور كان قرارا جماعيا شارك فيه الثلاثي بوصوف وكريم بلقاسم وبن طوبال إلى جانب أوعمران ومحمود الشريف وغيرهم، وهناك من يضيف إليهم الزعماء الخمسة الذين اختطفتهم فرنسا لأنهم حسب بعض الروايات وافقوا على إعدامه عبر قائمة الوجبات التي تقدم لهم حيث تناولوا وجبة واحدة والتي تعني الموافقة على القرار. وكشف محمد لقمامي أن محمد الشريف هو أول من أعلن عنمقتلعبان رمضان في 27 ديسمبر 1957.

أما الرواية التي يقدمها العقيد علي كافي في مذكراته ص 157 فتقول: “أتذكر أنه جاءني (عبان) يطلب مساعدتي له، وحاول استمالتي نحوه في خلافه مع كريم بلقاسم وبن طوبال ولكنني بقيت محايدا، أما بالنسبة إلى صدور حكم الإعدام في حقه فإن من قابلتهم من قادة الثورة ينفون ذلك، وكل ما أكدوه لي هو وجود اتصالات بين عبان والفرنسيين، إلاّ أن دحو ولد قابلية (رئيس الجمعية الوطنية لمجاهدي التسليح والاتصالات خلال الثورة التحريرية) يزعم أن مذكراتهضمت حقائق مغلوطة أساءت إلى رمز الثورة عبان رمضان؟ وادعى ولد قابلية أنه بصدد إصدار كتاب لأنه الوحيد الذي يملك الوثائق، وأن كتابه سيحمل حقائق كثيرة، وأنها هي التي ستنصف التاريخ بوثائق رسمية؟

والحقيقة التي بقيت طي الكتمان تضمنها أول كتاب صدر عام 1961 أي عاما قبل استرجاع السيادة الوطنية، وتمت مصادرته وأضيف إلى قائمة الكتبالممنوعةفي بعض المكتبات الوطنية العربية وهو للسيد محمد لبجاوي (عضو المجلس الوطني للثورة) بعنوانحقائق حول جبهة التحرير الوطني“. يقدم ثلاث روايات لإعدام عبان استنادا إلى كل من كريم بلقاسم وبن طوبال وبوصوف، والكثير من الكتب التي صدرت حول عبان تستند إلى هذه الروايات لكنها لا تشير إلى المرجع الأصلي، والحقيقة التي سمعتها من بن طوبال في محاضرة ألقاها في الجزائر العاصمة بقاعةالكابرييعترف فيها بأن بحوزته وثائق تدين عبان وأشرطة تكفي لجعلها حزاما على الكرة الأرضية. وقد أشرف بعض الأساتذة على صياغة مذكراته التي قدمت إلى الشركة الوطنية للنشر والتوزيع التي طالبته بحذف الفصل المتعلق بعبان رمضان إلا أن هذه المذكرات اختفت، فأين هي الآن؟

مقالات ذات صلة