الريع الأصغر.. والريع الأكبر
لا شك أن ما ارتبط من ريع بالبترول، ساهم بقدر كبير في التغيير من طبيعة الجزائري. ولا يمكن لأحد منا أن ينكر أننا أصبحنا على خلاف آبائنا وأمهاتنا اقل جدا وإنتاجا واعتمادا على الذات. وكانوا في هذا المستوى أفضل منا بكافة المقاييس. بلا غاز أو بترول أو ريع… والمشكلة ليست في البترول في حد ذاتهو إنما في المنظومة السياسية والفكرية التي ارتبطت بريعهو ومنعته من أن يتحول إلى وسيلة تدفع إلى العمل والاستثمارو بدل الكسل والخمولو والبحث عن العيش الرغيد من غير جهد أو عمل، ناهيك عن الفساد والإفساد…
واليوم، بعد أن باتت تلوح في الأفق، بوادر نهاية ريع، وانخفاض أسعار هذه “المادة” التي جعلت منا أمة لا تأكل مما تنتج ولا تلبس مما تخيط، بدل أن نعتبر ذلك بادرة أمل جديدة لنعيد تصحيح المنظومتنا السياسية والفكرية والعلمية التي تعطلت، بدل أن نعتبر ذلك فرصة لا تعوض لاستنهاض الهمم، ودق ناقوس الخطر لما وصل عليه حالنا من تبعية وارتباط بالآخر في كل شيء، سارعنا إلى التبشير بثروة جديدة أخرى، بريع أكبر قادم، أسميناه ريع الغاز الصخري. وكأننا نريد لمثل هذا الوضع أن يستمر، ولهذه الحالة أن تدوم.
وفي هذا المستوى، تأخذ مسألة الغاز الصخري بعدا آخر أعمق آثارا سالبة من تلك المتوقعة على البيئة والمحيط. ما الفائدة من التفكير في استخراج مادة طبيعية جديدة من باطن الأرض، على افتراض بأن ذلك يتم بلا مخاطر، إذا كانت ستقوم بذات الدور الذي قام به البترول والغاز، بإنتاج مزيد من الكسل والخمول والاعتماد على الغير.
ما الفائدة من الشروع في التحضير لاستغلال هذا الغاز إذا كان ذلك سيتم ضمن نفس المنظومة السياسية والاقتصادية السابقة؟ أليس من الأحوط لن نرجئ كل استغلال جديد لأي ثروة جديدة إلى حين إيجاد المنظومة السياسية الأنسب، والآليات الاقتصادية الأكثر على منعنا من الدخول في حالة ريع جديدة؟
يبدو لي أن مناقشة مسألة استغلال الصخري من عدمه، ينبغي أن تذهب أبعد من إطارها التقني المتعلق بجدوى العملية وآثارها السلبية، إلى إطارها السياسي والاقتصادي: هل نحن مهيأون لذلك؟ وهل منتخبونا أهل للبت في ذلك؟ وهل منظومتنا السياسية والقانونية والاقتصادية قادرة على التعامل مع هذه الثروة الجديدة؟ أم إننا سنكرر ذات الخطأ، وبدل أن نضع حدا لفساد ناتج عن ريع واحد، نعيش فسادا آخر أكبر عن ريعَين؟