-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرّيسوني وأوهام الماضي!

الرّيسوني وأوهام الماضي!

مشكلة المخزن ومن يدور في فلكه من الإعلاميين والسّياسيين ورجال الدين، أنّه يستعير مصطلحات ومفاهيم من قرون ماضية ويحاول إسقاطها على الواقع المعيش، إذ لم يدرك هؤلاء جميعا أننا نعيش في عصر الدولة القُطرية، حيث العلاقات بين الدول تحكمها القوانين والنظم الدولية، في ظل نظام عالمي فيه ما يقال، لكنه أمرٌ واقع يجب التّعاملُ معه.
أيُّ دعوة لإلغاء الحدود القائمة بين الدول، مهما كانت مبرراتها، هي دعوة صريحة للاقتتال بين الأشقاء، وقد حدث ذلك بالفعل بين الجزائر والمغرب، حين استغل المخزن أوضاع الجزائريين الذين خرجوا من حرب مدمرة ضد فرنسا ومعها الحلف الأطلسي، ليزحفوا على الحدود الغربية الجنوبية بدوافع وأوهام أكل عليها الدهر وشرب، مفادها أن الأراضي المغربية تمتد إلى حدود بعيدة تطال الصّحراء الغربية وموريتانيا وأجزاء من الجزائر!
لكن الذي حدث أنّ الثوار الجزائريين الذين دخلوا في متاهة الخلاف الداخلي، بعد الاستقلال، سرعان ما تجاوزوا خلافاتهم وتوحدوا على دفع الاعتداء ومواجهة الزحف المغربي على الحدود الجزائرية، ولقنوا الجيش المغربي درسا لم ينسه إلى اليوم، وهو سلوكٌ غريب من المغرب الذي اعتقد أن الجزائريين يمكن أن يفرّطوا في ذرّة تراب واحدة من أرض الجزائر التي سُقيت بملايين الشهداء، فقد انتظر المخزن إلى أن تم تحرير البلاد من المستعمِر الفرنسي، ليأتي ويطالب بأجزاء منها انطلاقا من أوهام الماضي التي يردّدها بأن هذه المناطق وغيرها كانت في أزمنة غابرة تدين بالولاء لسلطان مراكش.
لكن هذا المنطق خطيرٌ جدا على العلاقات الدولية، لأنه يتجاوز الحدود الحالية بين الدول ويحيي نزعات التوسع بناء على امتدادات الدول الإقليمية في الماضي، وإذا طبقنا هذه القاعدة، فليس غريبا أن تُبعث روما من جديد -على حد تعبير الشيخ ددُّو- وتطالب بحقوقها في كل الأراضي التي كانت تتبع الرومان مثلا، أو تسعى موريتانيا إلى ضم دول شمال إفريقيا تحت سيادتها على أساس دولة موريتانيا التاريخية سبقت الجميع، وكان سلطانها يمتد على كامل شمال إفريقيا.
هو فكرٌ عبثي تعتنقه أدوات المخزن وتحاول التغطية به على الأزمات الداخلية في المغرب، على رأسها حالة الملك الصحية وصراع العرش الذي تفجر منذ مدة، وهستيريا التطبيع التي هزت المجتمع المغربي، فضلا عن حالة الفقر التي تفتك به، والغريب أن يردّد مثل هذه الأفكارَ بعضُ الشّخصيات المحسوبة على العلم من أمثال الريسوني الذي تمادى في توظيف المصطلحات التراثية مثل البيعة، التي لا يفهمها الجزائريون ولا الموريتانيون، لأنها مصطلحاتٌ عفا عنها الزمن ولم يعد لها مكانٌ إلا لدى حاشية “أمير المؤمنين” الذي شجّع كل الموبقات في بلده وفتح الباب أمام المجرمين والعنصريين الصهاينة ليُثبّت احتلاله للصحراء الغربية.
أمّا ما يتعلق بتيندوف وبشار وتلمسان وكل الأراضي الجزائرية فهي مسقية بدماء الشّهداء، ولا يوجد جزائريٌّ واحد يمكن أن يتسامح مع ذوي الأطماع التوسُّعية، فهل يعي الأشقاءُ في المغرب حجم المتاعب التي تسبَّب فيها المخزن لهم، بمثل هذه الشّطحات التي تتحدث عن حق المغرب في أراض تابعة لبلد له سيادة وجيش قوي وشعب لا يُقهر؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!