جواهر

الزواج دون إذن الأهل.. الوقاية خير من الأمر الواقع!

جواهر الشروق
  • 14962
  • 41
ح.م

كانت تأتي إليها والدتها في غرفتها قائلة: “حبيبتي لقد قرأ والدك اليوم الفاتحة مع فلان ووالده واتفقا أن العرس خلال ثلاثة أشهر لنقوم بتجهيزك” ويتم الزواج دون كلام أو اعتراض، كان هذا قديماً لكن مع الوقت تغير الوضع فأصبحت الفتاة تختار من تراه مناسباً لها وكذلك الشاب لم يعد ينتظر والدته أن تبحث له عن عروس ترضاها زوجة له، بل وصل الأمر لخصام الأهل واعتراضات وبكاء وصراخ، ومناقشات واحتجاجات، وإضراب من وقت لآخر عن الطعام أو حتى الكلام، أفعال كثيرة كئيبة ومؤلمة في مقابل التمسك بهذا الشريك عندما يواجههم اعتراض عليه.

قرار الزواج من أخطر القرارات التي يتّخذها المرء في حياته.. وأي خطأ في عملية الاختيار سيدفع ثمنها ربما حياته كلها.. ولذلك يولي الأهل أهمية كبرى في اختيار الابن أو البنت لزوج المستقبل.. وكذلك الأمر يعتبر الأهل زواج أولادهم فرحة العمر فقد كبر العيال وحانت لحظة الانتقال إلى منزل الزوجية ليبدؤوا حياة جديدة ستثمر بنين وحفدة بإذن الله جل وعلا.. وبما أن الزواج ليس ارتباطاً بشخص واحد وإنما بعائلة كاملة يحرص الأهل على الاختيار الصحيح لتجنب المشاكل التي يمكن أن تتفاقم مع الوقت وتحيل الحياة تعاسة دائمة..

فكثيراً ما نرى اندفاع الشباب وراء اختيارات واهية نتيجة “الحب” والرغبة فيتهوّرون في اتخاذ القرار دون دراسة المشروع بتأنّ وحكمة وتعقّل..  وهنا يأتي دور الأهل للتصويب وإلقاء الضوء على المشاكل التي يمكن أن تنبع من هذا الاختيار.. إذاً الأهل يتدخلون عادة في عملية الاختيار حباً وخوفاً.. وإشراكهم في هذا الاختيار ينبع من أمرين أساسيين وهما: الوفاء لما قدّموه من رعاية والبر بهما.. إضافة إلى الاستفادة من الخبرة التي اكتسبوها في الحياة..

ولكن الأمر لا يكون مُرضياً في كل الحالات.. فأحياناً يتدخل الأهل ويطالبون الأبناء أو البنات الاختيار على أسس غير صحيحة اعتقاداً منهم أن ما يدفعون إليه أولادهم سيحقق السعادة لهم.. وهذا أمر خاطئ  لأن معايير السعادة تختلف من شخص لآخر وأحياناً كثيرة يرتكز الأهل على معيارَي المال والجمال أكثر من غيرهما ويكون ذلك على حساب الدِّين والتكافؤ والانسجام ما يُنذر بطلاق صامت أو فِعلي في قابل الأيام إن لم يحصل التوافق الزوجي!

الأسباب والعلاج

وإن أردنا ذكر الأسباب التي تجعل الأبناء أو البنات يتزوجون دون موافقة الأهل فيمكن القول على سبيل المثال لا الحصر:

– اختلاف معايير الاختيار بينهم وبين الأهل.

– العلاقة المضطربة مع الأهل وعدم الاهتمام بنيل رضاهم.

– التعوّد على أخذ القرارات بشكل منفرد.

– توقّع الرفض إن تم عرض الموضوع عليهم وعدم تفهّمهم لرغبة الأبناء.

– غياب الحوار بين الأهل والأبناء.

– التأثّر بالإعلام أو بنصائح الأصحاب.

– الانصياع لتخدير الرغبة وعواطف الحب.

ولا شك أن الأهل يتحمّلون جزءا كبيراً من المسؤولية في انقطاع التواصل بينهم وبين الأبناء والبنات.. فقد يكونون قد قابلوا نقاشاتهم بالصدّ أو المواجهة السلبية أو عنّفوهم حين اختلفوا في وجهات النظر.. أو أنهم بعيدون عنهم –روحياً- فلم يحاولوا مد جسر التواصل بينهم خلال فترات حياتهم جميعها.. أي منذ الصِغر مروراً بالمراهقة وحتى البلوغ..  وقد يكونون من النوع الذي يتملّك ويتسلّط ويطالب بتنفيذ القرارات دون أدنى نقاش كأن يمنعوا ابنهم من اختيار مَن يرغب أو يجبروا ابنتهم على الزواج ممن لا ترغب.. ولا شك أن هذه مصيبة عائلية ستورد المهالك وقد “يضطر” بعدها الأبناء إلى الانسلاخ من الأهل رغبة في تحطيم القيود المفروضة عليهم..

الاستقلال بالقرارات

ومن جهةٍ أُخرى، فإن الأبناء والبنات يشعرون في مرحلة معيّنة أنهم كبروا وعليهم الاستقلال بقراراتهم.. ويعتبرون ذلك من قوة الشخصية التي يتميّزون بها.. وقد يثورون على العادات التي لا تسمح لهم بالزواج إلا برضا الأهل.. خاصة إن اقتنعوا بمواصفات الطرف الآخر بينما رفضه الأهل.. فيبدأ صراع الأجيال بالظهور.. وحقيقة هناك مفاهيم مغلوطة لدى الشباب حول عملية الاختيار نفسها.. فالبعض يعتقد أن مجرد تسارع ضربات القلب والأمور الظاهرة في الآخر كفيلة بجعل القبول قراراً حتمياً.. وحين يقف الأهل في مواجهة هذه الأفكار يتحسس الأبناء والبنات ويعترضون على قرار الأهل ويخرجون من عباءاتهم.. ولو أن الفتاة أقل قدرة على اتخاذ القرار المنفرد نتيجة التربية والعادات والدِّين إن كانت ملتزمة..

وعليه فلا بد من أن ينتهج الأهل خطة مدروسة للتعامل مع أبنائهم منذ الصِغر بطريقة إيجابية.. ويكون حوار وتنمية قدرات ومهارات وتربية روحية ودينية عميقة.. حتى يترعرعوا ويشبوا وقد استقرت في داخلهم الصورة النمطية الرائعة عن الأهل والمفاهيم الراقية عن البرّ والطاعة والوفاء..

طرق الإقناع بين الطرفين

ولا بد أن يبقى في إدراك الأهل أن دورهم في عملية اختيار الشريك لأبنائهم لا يتجاوز النصح والإرشاد والتوجيه فلا إلزام ولا إجبار ومن ناحية أُخرى لا رفض ولا استبداد.. ولا يكون رفض حازم إلا في حالتين:

– أن يكون الشريك الذي اختاره الأبناء فيه فسق أو ما يهين ويعيب

– أن يفتقد أبناؤهم للحكمة والقدرة على الاختيار والنضج والتمييز والعقلانية

كما أنه يتوجب عليهم سرد الأسباب الموجِبة لهذا الرفض.. وفي هذه الحالة على الأبناء والبنات الالتزام برأي الأهل إن كانت الأسباب مُعتَبَرة لأن رفضهم ليس نابعاً من تنطع أو تسلط أو هوى.. وإنما من منطلق الحرص على سعادتهم المستقبلية واستقرار أُسرهم..

أما إن كانت الأسباب واهية فعلى الأبناء الرفق والصبر واستعمال الحكمة في محاولة إقناع الأهل لعل الجليد يذوب ويتم التفاهم وتتقارب وجهات النظر.. وإن لم يتوصل الطرفان إلى نتيجة مناسبة فلا بأس من أن يتم الزواج ولو أنني أنصح أن لا يقرر الأبناء أي قرار من شأنه أن يقطِّع أوصال الأسرة..

ولا بد من الأخذ في الحسبان أن الزواج من دون موافقة الأهل قد يكون له تداعيات سلبية بالنسبة للخلافات الزوجية وخاصة بالنسبة للفتاة إن كانت قد تزوجت من دون رضا الأهل فماذا ستفعل إن استفحل الخلاف بينها وبين زوجها؟ كما أن نظرة الزوج بعد فترة من الزواج لها ربما تصبح نظرة دونيّة.. لأنها بنظره قد تركت أهلها فمن الممكن أن تتركه أيضاً!كما أن النظرة المجتمعية للفتاة التي تتزوج من دون رغبة أهلها سيئة نتيجة العادات والتقاليد وقبلها رأي الشرع الذي يحرمه في بعض الأحيان.

لا للرفض التعسفي

فحينما يرفض الأهل شريك الحياة على الشباب أن يأخذوا وقت للتفكير المتأني في أسباب رفض الأهل، فكثيرا ما يكون لدي الأهل أسباب منطقية يقبلها العقل، و لكن كما يقولون الحب يعمي ويصم ، فإذا كان الأهل موضوعيين في أسباب رفضهم يجب على الشباب التأني للتفكير والاستجابة لصوت العقل، وإذا لم يصل الشباب لاقتناع برأي الأهل نلجأ للخيار الثاني وهو مشورة شخص حكيم ليحاول إقناع الأهل أو الشباب حسب وضع كل حالة، و يفضل أن يكون كبير في السن والمقام ولديه خبرة بالحياة من داخل العائلة خال أو عم أو عمة أو من خارج العائلة متخصص مستشار اجتماعي أو خبير في العلاقات الزوجية.

مع الأخذ في الاعتبار أن الزواج من وراء الأهل مرفوض كلياً، و إن الزواج مع معارضة الأهل قد يتم تحت رعايتهم، وإذا كان هناك إصرار على الإقناع و الإلحاح بالأهل غالبا ما يستجيبون للضغط الناعم ، ولكن لا انصح الشباب بلجوء لهذه السياسة ما لم يكن الأهل شديدي التعنت في الرفض لأسباب غير منطقية وطبعا في هذه الحالة يتحمل الشريكين مسؤولية اختيارهم كاملة التعاسة او السعادة، فلن تجد هذه الزيجات دعم من الأهل بخاصة إذا كان الاختيار خاطئ، وطبعا المصير يختلف من زيجة لأخرى على حسب مدى حرص الشباب على مراعاة معايير الاختيار الصحيح ومدى الحكمة في التعامل مع رفض الأهل.

هناك بعض الأسباب التعسفية من الأهل لرفض زواج الأبناء، مثل رفض الزواج من خارج العائلة فيصر الأهل علي زواج الابن من داخل العائلة في حين يكون هذا الاختيار لا يتلاءم مع قبول الشاب، أو تحجز الفتاة لابن عمها أو قريب لها منذ الصغر بينما تلك الزيجة لا تتوافق مع طموحات الفتاة بأي شكل من الأشكال، واستحواذ الأهل علي راتب الشاب أو الفتاة والوقوف بالاعتراض علي كل من يقع عليه الاختيار خوفا من تحول هذا الدخل للأسرة الجديدة.

أو قيام الفتاة برعاية أخواتها الصغار لظروف ألمت بالأسرة كوفاة الأم أو طلاقها، أو حب الأم وتعلقها المرضي بابنها خاصة إن كان وحيدا لشعورها أن أخري ستنافسها في حبه لها، أو انتظار العريس كامل الأوصاف والذي ربما لا يأتي أبدا، ومقارنة المتقدم للزواج بزوج الأخت أو بنت العم أو غيرها.

وهناك بعض الأسباب التربوية التي تجعل الأبناء يقدمون على الزواج دون موافقة الأهل كعدم قيام الأهل بواجبهم تجاه الأبناء من حيث التربية والتقويم والإرشاد منذ صغرهم، وضعف الوازع الديني، والتفكك الأسري و غياب الحوار مع الأبناء،وغياب القدوة الرشيدة والمثل الأعلى للوالدين، وعقوق الوالدين و إهمال النصيحة، التحرر والتسيب الزائد داخل الأسرة.

تزوجوا.. أمر واقع!

أما إن حصل وتزوج الأبناء أو البنات رغماً عن أهلهم فأستطيع تفهّم الأهل إن قاطعوا الأبناء لأنهم خرجوا عن طريق الطاعة فهم يرون الأمر من هذا المنظار.. ونصيحتي للأهل أن يتريّثوا ويُعيدوا دراسة الموضوع من جديد فلعلهم رفضوا لأسباب واهية أو اتخذوا موقفاً سلبياً من الوافد الجديد إلى الأسرة ولمّا يعرفوه حق المعرفة.. وليتذكروا أنه من الطبيعي أن يخطئ الأبناء ولكنهم في النهاية يبقون ثمرة العائلة التي لا يمكن لها أن تتخلى عنهم وأنهم سيبقون مهما علت مراتبهم وقويت شخصيتهم بحاجة إلى منبع الحنان والدعم الأول المتمثّل بالوالِدَين.. ثم إن الموضوع قد انتهى وتم الزواج فالمقاطعة لن تؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم والتفكك الأسري..

مقالات ذات صلة