الرأي

السلطة… هل تنتصر للشعب أم لبن غبريط؟

حسين لقرع
  • 2767
  • 0

بات واضحاً وضوح الشمس اليوم أنه باستثناء الأقلية الفرانكفيلية التي تؤيد بن غبريط بحماس فياض في مسألة تدريس العامية، أو التدريس بها، فإن الأغلبية الشعبية المتشبّثة بثوابتها وعناصر هويتها قد أبدت رفضا قاطعا لهذا “الاقتراح” الذي تأمل الوزيرة أن يُطبّق بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط من الآن، إذا وافقت عليه الحكومة في اجتماعها القادم.

وهنا تتجه أنظار 40 مليون جزائري إلى ما تقرره الحكومة في اجتماعها القادم بشأن المسألة، وكلهم أمل بأن تنحاز إلى الأغلبية الشعبية وترفض “اقتراح” بن غبريط و”خبراء” التربية الفرنكفونيليين الذين اجتمعوا في 25 و26 جويلية الماضي في ندوة لتقييم “إصلاحات” بن زاغو بعد 12  عاماً من تطبيقها، فإذا بهم “يقترحون” التدريس بالعامية، بحجة “إصلاح” المدرسة وتطوير تعليم اللغة العربية، أي كمن يعالج التعفّن بتعفّن أكبر! 

الكرة الآن في مرمى السلطة، وعليها أن تقرّر ما إذا كانت ستنحاز إلى الأغلبية الشعبية وترفض “اقتراح” بن غبريط، أم تنحاز إليها وإلى الأقلية الفرانكيفيلة التي تدعمها، وتحوّل “اقتراحها” إلى قرار يُطبَّق على الملايين من أبناء الشعب في المدرسة رغماً عنهم؟

بالأمس، تصاعد الجدل بشأن قرار وزير التجارة السابق عمارة بن يونس بتحرير بيع الخمور، ولقي القرار رفضا شعبيا واسعا بلغ إلى حد قيام مواطنين بالتظاهر ضده في مناطق عديدة من الوطن، ودفع ذلك رئيس الحكومة إلى “تجميد” القرار، قبل أن يُقال الوزير لاحقاً، وكان ذلك تصرّفاً حكيماً من السلطة؛ فقد أدى هذان القراران الحكيمان إلى تهدئة الشارع، وزوال مشاعر الاحتقان وكذا الاعتقاد بأن السلطة عيّنت وزيراً ليُحارب قناعاتِ الشعب وقيمَه، واليوم تتجه الأنظار إلى السلطة لتُصدر قراراتٍ مماثلة، تبدأ بإلغاء “اقتراح” بن غبريط بشأن العامية، وتنتهي بإقالتها لاحقاً مادامت قد أصبحت منبوذة شعبياً وأثارت كل هذا السخط والاحتقان.

لا يُعقل أن تقدم السلطة في سبتمبر المقبل على قبول “اقتراح” بن غبريط وتحويله إلى قرار نافذ في الدخول المدرسي القادم، بعد أن أثارت كل هذه العواصف ضدها، وإلا تحوّلت السلطة بدورها إلى مُحاربةٍ للغة الشعب وعناصر هويته. موجة الرفض الشعبي الآن تتجه إلى بن غبريط، ومختلفُ الفعاليات الاجتماعية والسياسية والنقابية وغيرها تحمِّلها وحدها المسؤولية عن “اقتراح” العامّية، حتى وإن كانت تعرف أن هذا الاقتراح قد جاء بإيعاز من جهاتٍ في السلطة، ولكن إذا وافقت السلطة عليه رسمياً، فستتحوّل عاصفة الانتقادات صوبها، وستفتح على نفسها جبهة ساخنة جديدة هي في غنى عنها.

للسلطة قضايا ومعضلات كبيرة تؤرقها ومنها الحدود الملتهبة مع كل الجيران تقريباً، وأزمة غرداية واستمرار الاحتقان الشعبي في عين صالح، واشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية عليها، فضلا عن المشكلات التقليدية كالسكن وتفاقم البطالة وغيرهما، ما يمكن أن يرفع وتيرة الاحتقان والتوترات الاجتماعية أكثر، وليس من الحكمة أن تفتح السلطة، بعد كل هذا، جبهة أخرى على نفسها، وهي تستطيع “سدّ الباب الذي يأتي منه الريح” بقرارٍ بسيط لا يختلف عما فعلته قبل أسابيع مع عمارة بن يونس.

الكرة في مرمى السلطة إذن، وتفاءلوا خيراً تجدوه.

مقالات ذات صلة