-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السلطة والصحافة… أي علاقة؟

محمد قيراط
  • 6756
  • 2
السلطة والصحافة… أي علاقة؟

في ظل الأزمات المتتالية التي تعيشها الأنظمة العربية، تطرح إشكالية العلاقة بين السلطة والصحافة من حين لآخر، حيث يؤكد البعض على أن خصخصة وسائل الإعلام وإنشاء المدن الإعلامية الحرة وانتشار الفضائيات والانترنت والشبكات الاجتماعية قد يحل معضلة حرية الصحافة في العالم العربي، كما يجزم البعض قاطعا في المنابر الإعلامية بأن الإعلام العربي وبفضل تكنولوجيا الاتصال والثورة المعلوماتية والعولمة والمجتمع الرقمي قد دخل عالم الإعلام الحر الذي يراقب ويستقصي ويكشف عن المحرمات والممنوعات والتجاوزات ويلعب بذلك دور الفاعل وليس المفعول به.

كيف تنظر السلطة في المجتمعات العربية لوسائل الإعلام؟ هل هذه الوسائل هي جزء من أدوات النظام للتحكم والسيطرة والتوجيه السياسي والأيديولوجي والمعنوي؟ أم أنها مؤسسات تشكل منبرا للتواصل والتحاور ما بين السلطة وجماهيرها بصفة ديمقراطية وشفافة وحرة خالية من أي تعتيم أو استغلال أو ابتزاز؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية رأسية أم أفقية؟ هل الممول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى “دمقرطة” الإعلام في العالم العربي؟ هل ستؤدي ثورة تكنولوجيا المعلومات والمجتمع الرقمي إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق وآليات ومنهجية العمل الإعلامي في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات وشروط الإعلام الحر في الوطن العربي؟ وهل هذا الإعلام قادر على أن يصبح أحد القوى الفاعلة في المجتمع؟ 

والواقع مع الأسف الشديد غير ذلك تماما وهذا يعود لعدة اعتبارات من أهمها أن إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة هي إشكالية قائمة في مختلف مجتمعات العالم وليست في الدول العربية فقط، وهي في واقع الأمر علاقة مد وجزر وعلاقة يسودها الشد والنزاع والصراع الأبدي. ويخطئ من يعتقد أن هذه العلاقة سليمة وصحية وسودها الشفافية والوضوح في  الدول الديمقراطية والمتقدمة.   

التجارب التاريخية أكدت أنه، وفي أعتق الديمقراطيات في العالم، نلاحظ تطفل ومحاولة الاستغلال والابتزاز من قبل السلطة لوسائل الإعلام. الفرق الواضح ما بين المجتمعات المتقدمة أو الديمقراطية أو المجتمعات التي تتمتع بمجتمع مدني وقوى مضادة والمجتمعات النامية أو غير الديمقراطية، هو وجود أطر وهياكل وثقافة لصحافة الاستقصاء، وللمؤسسة الإعلامية كسلطة رابعة. هذه المقومات تتوفر في المجتمعات المتقدمة وتنعدم في الدول النامية. فعند معالجة إشكالية العلاقة بين السلطة والصحافة يجب أن نضع في الاعتبار الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تعمل فيه وتنشط فيه المؤسسة الإعلامية، التي ما هي في نهاية المطاف إلا نظام فرعي من النظام. فالنظام الإعلامي ما هو إلا انعكاس للنظام العام الذي يعمل فيه ويتفاعل معه. والنظام الإعلامي ما هو إلا جزء من النظام الكلي السائد في المجتمع. فلا نستطيع أن نتكلم عن استقلال المؤسسة الإعلامية وعن حرية الصحافة في غياب الفصل بين السلطات وفي غياب الحريات الفردية وفي غياب حقوق الإنسان وفي غياب المجتمع المدني والقائمة قد تطول. فكيف نتصور نظاما إعلاميا حرا داخل نظام استبدادي، سلطوي تعسفي. والجمع بين المتناقضات في هذا الشأن غير ممكن على الإطلاق.

تفرز مخرجات وسائل الإعلام العربية أزمة ثقة في الشارع العربي تؤدي إلى انفصال الشعب عن السلطة أو الرأي العام عن صاحب القرار، وكنتيجة لهذه الأزمة تصبح المؤسسة الإعلامية في العالم العربي تغرد خارج السرب، وبدلا من المساهمة في تكوين الرأي العام نجدها تسهم في تغريبه وفي الكثير من الأحيان تغييبه. كما يتميز الإعلام العربي بأحادية الاتجاه حيث أنه يتدفق من الأعلى إلى الأسفل، من السلطة إلى الجماهير بدون مشاركة المستقبِل في عملية رجع الصدى أو المشاركة في العملية الإعلامية. والتدفق الأحادي يؤدي بطبيعة الحال إلى التكرار والروتين واعتماد وجهة نظر واحدة ورأي واحد وفلسفة واحدة، وهذا على حساب التعدد والاختلاف الموجود في المجتمع. كما تتميز الصناعة الإعلامية في العالم العربي بضعف الاحترافية والمهنية والنتيجة هي التركيز على الرسميات والشكليات دون الارتقاء بالمهارات الفنية والإبداعية، وهذا نظرا للرقابة والحذف والحذف الذاتي وهاجس تنفيذ الأوامر بدون مناقشة وإبداء الرأي. ففي غياب الحرية وسيطرة الروتين ينعدم الإبداع. كما يتميز العمل الإعلامي في العالم العربي بالرقابة والحذف الذاتي حيث أن التحكم الرسمي في وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى أدى إلى نمو ما يسمى بالرقابة الذاتية عند الصحافي، الأمر الذي قتل روح الإبداع والابتكار عند القائم بالاتصال، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ضعف الأداء وبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع. كما نلاحظ كذلك اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام بحيث أن الإعلام إذا فشل في إدماج الجماهير ومثيلها أحسن تمثيل لدى السلطة والدفاع عن مطالبها ومصالحها، فإنه يُهجر من قبل الجمهور وضعف مصداقيته وتأثيره. وكذلك انعدام المصداقية وإشراك الجماهير في العملية الإعلامية يؤدي إلى هجرة وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والتوجه إلى الإعلام الخارجي حيث أن المستهلك يتفاعل هنا مع طريقة مختلفة للطرح والتقديم والتحليل.

من جهة أخرى، نلاحظ ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي حيث التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى بكسب رضا السلطة ثم تحقيق الربح، أو ضمان المعونة الحكومية بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. ونتيجة لضعف الإدارة تنعدم المهنية ونعدم قيم الاحترافية الإعلامية وسود سياسة ملء الفراغ بالمضمون الذي لا يزعج ولا يسبب مشاكل. والنسبة القليلة أو الحجم القليل من العمل الإعلامي الجيد في هذه الظروف الصعبة يلاقي التهميش والمضايقات والعراقيل المختلفة. كما نلاحظ ضعف الإنتاج كما وكيفا واعتماد المؤسسات الإعلامية العربية على استيراد المادة الإعلامية والثقافية المعلبة التي قد تكون في معظم الأحيان غريبة وبعيدة كل البعد عن عادات وقاليد وهموم وانشغالات الجماهير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • السليم رويني

    شكرا للاستاذ قراط لانه جعلني اجد استاذنا البشير رويني على الويب حين عجز الكل في رحلة البحث عنه...والله حرام حرام حرام حرام حرام حرام عليك ما فعلته في غيبتك عنا يا استاذنا البشير..طالت غيبتك وتطايرت الدموع تطلب فقط رؤيتك...لا زلنا بانتظار ولو جزء منك..

  • البشير رويني

    في (السلطة والصحافة) من جديد..
    تحية طيبة إلى الأستاذ قيراط.
    فقد قرأتُ باهتمام مقالته (السلطة والصحافة ..أي علاقة؟)، وأعجبتني فيه تلك الطريقة في الضغط وجمع الأفكار المتفرقة في مقال قصير كان يحتاج عند بعض الأقلام الأخرى إلى صفحات وصفحات.
    والواضح ان الاستاذ يحمل فقط على الانظمة، وهي بالفعل المسؤول الاول في التردي والخوف والتمزق...
    لكني شخصيا تمنيتُ لو أنه تكلم قليلا عن الضعف الكبير الذي لدى عدد من الصحافيين، وصل الامر احيانا الى حد الركاكة الفكرية والاخطاء اللغوية.
    هل هذه مسؤولية الانظمة ام الصحافة؟ ام معاهد التكوين؟
    إننا صرنا بالفعل نتكلم عن مصطلح (لغة الصحافة) متندرين، ونضعه تماما في الوسط بين (اللغة الدارجة) واللغة الراقية، أي الفصحى. هل صحيح ان الصحافيين لايحسنون الفصحى؟ و إن حدث، فهل هي مرة أخرى مسؤولية الحكومات ؟ أم فخامات الاساتذة (!!) في معاهد التكوين؟ ام الصحافيين ذاتهم؟
    البعض يقصد بلغة الصحافة – مستهزئا – ذلك السيل من عبارات النفاق وممالاة المسؤولين والدوائر الرسمية.
    و أنا يبدو لي ان الصحافيين عندنا يأخذهم الخبر العاجل والسبق الاعلامي والشهرة و أشياء اخرى عن عمق الاداء وسلامة التعبير. وهنا اوافق الاستاذ في حديثه عن غياب الاحترافية ، فالمؤسسات الاعلامية لا تصنع محترفيها. ولكن اضيف ايضا ان الصحافي الذي يكرر في جريدته ما رأيناه البارحة في نشرة الاخبار مثلا يصبح ممجوجا، والكتابة من موقع المعارضة تصنع احترافية اعمق (على الاقل في عالمنا العربي)، وقد رأينا عددا من اقلامنا وصحافيينا برزوا بقوة عندما انتقلوا الى الغرب، بينما كانوا صحافيين مغمورين أو أقل من ذلك بكثير لما كانوا في بلدانهم. ليس هذا لان ديمقراطية الغرب كلها خير كما اشار الاستاذ، ولكن الاكيد ايضا : ليست العلاقات الحميمة مع الاوساط السلطوية هي من يصنع الاحترافية رغم انها تخدم كثيرا الصحافي (ماديا على الاقل).
    شئ آخر انا اؤمن به بقوة وهي مسؤولية الكلمة ورسالة المهنة، فمن يكتب تحت حرقة الهم السياسي او الاجتماعي او الثقافي ليس كمن يكتب ليملأ فراغا في جريدة او يحشو خانات من الكلمات المتقاطعة. وهنا بالضبط ينفجر الهم الاعلامي إبداعًا طالما انتظرناه.
    وفي تقديري هناك اتجاه عام نحو الرداءة، على الاقل في الكثير من صحافتنا العربية، وعندما تسيطر الاخبار العجلى والنتف القصيرة في صفحات الجريدة على التحليل الرزين والرأي المتعمق، نستطيع ان نتصور نوعية الفريق العامل وخطورة غياب متمرسين وجامعيين ذوي تكوين عال.
    وهذا في جانب منه صنيعة الضغط السياسي من (الاعلى) كما أشار قيراط، لكنه من جانب آخر انعكاس لرداءة الاداء الاعلامي الخاضع لابجديات السوق وحسابات الربح والخسارة.
    نقطة اخرى مهمة: أن الاستاذ قيراط شخص ببراعة أسباب المرض ، ولكنه –في تقديري- لم يفتح باب العلاج، ولم يخبرنا بماذا نبدأ اذا اردنا التغيير: هل من الاعلى ؟ من الاسفل؟ أم من جهة ثالثة؟؟؟
    وبكلمة: ما هي أولوياتنا في المجال الاعلامي طبعا؟ خاصة وهو المتخصص في الموضوع والعارف بخباياه.
    ان جدلية السلطة والاعلام خطيرة ، ومعروضة دوما للنقاش، ولكن ما الذي نبدأ به على الأقل في الحالة الجزائرية؟
    خاصة ان الفضائح المالية اصبحت تتسرب وتنفجر في كل مرة، بجانب وضع اقتصادي اكثر من هش، وحالة مجتمعية مقلقة. ما الذي نبدأ به ونحن نتحدث عن "عولمة" شرسة تبتلعنا؟
    الحالة الجزائرية الراهنة غريبة وعجيبة بالفعل: هناك حرية وقمع، خضوع وانطلاق، ..
    البعض يتحدث عن حرية (تحت الاكراه) تقدمها السلطة، والبعض يتحدث عن حرية (تحت الاكراه) يتمتع (!!) بها الصحافي..
    انا احبُ ان اخرج من ثنائية (الصحافة والسلطة) الى ثنائية (الصحافة والادارة)، وهنا الادارة بمفهومها الواسع، فعندما لا يكتب مراسل صحافي عن غياب الكهرباء في "دشرة" معزولة، بسبب علاقته مع بعض من في شركة الكهرباء، فان الامر كفيل بان يترك "الدشرة" كلها في الظلام، دون علم الرئيس او الحكومة او المنظمات المهتمة بالامر. وهنا نحتار فيمن نتهم : السلطة المركزية؟ أم اجنحتها، ام احزاب المعارضة وهي تمارس الصمت؟ ام الادارة المحلية؟ لكن بالتأكيد: الصحافة هنا متورطة. وعندما يضيع المواطن بين الادارات من اجل وثيقة معينة، فمسؤولية الصحافة هنا لا تقل عن مسؤولية الادارات ذاتها.

    أما العولمة وأشياء اخرى، واما المعركة الثقافية، و أما وصولنا الى الآخر في الخارج ، فيبدو أننا لا نفكر بعد في قناة اعلامية رائدة ومتميزة عالميًا ولا في جريدة كبرى ذات ايقاع عالمي.. وتلك - لعمري- مشكلة أخرى في جزائرنا الجميلة.

    و أما صناعة الرأي العام، وإيجاد مجتمع مدني، فالحمدلله (!!) فقد تكفلت بها قنوات اجنبية، شرقية وغربية..

    و مرة أخرى: تحية الى الأستاذ قيراط..

    البشير رويني
    -باحث-