-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السودان: ثمن الجري وراء ديمقراطية زائفة!

السودان: ثمن الجري وراء ديمقراطية زائفة!

بدل أن تَتَّجِه القوى السياسية المتناحرة حول السلطة في السودان منذ 2019، نحو التوافق وطرح المشكلات الرئيسية التي يعرفها هذا البلد، منها الاقتصادية والاجتماعية والتي هي جوهر السياسة، اتجهت نحو الاستقطاب بطرح معادلة خاطئة تقوم على التقسيم بين المدني والعسكري في البلاد، وتم إيهامُها بإمكانية تحقيق ديمقراطية زائفة في مجتمع متخلف اقتصاديا، أكثر من 60 بالمائة من سكانه في دائرة الفقر (تصل إلى 73,4 بالمائة في ولاية النيل الأزرق) ومازالت جميع عوامل الحرب الأهلية كامنة بداخله.. تماما مثل ما حدث في الجزائر سنة 1988 قُبَيل التَّعددية الحزبية عندما تَم إيهام الشعب بأنه بحاجة إلى أحزاب سياسة مُتعدِّدة وإلى ديمقراطية زائفة بدل تصنيع وتنمية حقيقة تؤسِّس بذاتها لأرضية تبدُّل سياسي واجتماعي ملائم. وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع: تلك العشرية السوداء التي لم تُبق ولم تذر، فلا تعددية سياسية تحققت، ولا تنمية اقتصادية استفاد منها الناس…

يكاد ذات السيناريو يتكرر في أكثر من بلد عربي ومنها السودان: يتم إيهام الناس بأن مشكلتهم الأساسية هي الديمقراطية الزائفة والشَّكلية على الطريقة الغربية، أحزاب متعددة، وحرية تعبير خارج نطاق الحدود الثقافية للأمة، وإعادة نظر في كافة المؤسسات التقليدية التي كانت تحافظ على توازن المجتمع لقرون، والتي يتم ربطها بالعصور الغابرة وبالزمن القديم وبخاصة منها ما كانت ذات طابع ديني أو مُرتبِطة بالثقافة والأعراف المحلية، التي ما فتئت تُشكِّل مرجعيات عميقة للمجتمع. كل هذه الركائز الثابتة كان يُسخَر منها ويتم وصفها بالعقيمة، ويتم في المقابل، تصوير التنظيمات السياسية التي تحمل عناوين شبه عصرية بديلا لها، كما تتم محاولة استبدالها بأشكال مُقلَّدة عن المجتمع المدني الغربي باسم التحول الديمقراطي…

وهكذا بدل أن يبتكر المجتمع قِواه التنظيمية من عمق خبرته التاريخية وتراثه، يتم دفعه دفعا، نحو تشكيل جماعات مصالح سياسية تُسمِّي نفسها بأسماء تحمل بعض ما تحمل الأسماء الغربية من وهج ديمقراطي زائف “الحرية، التغيير، التجمع، النداء، الإجماع، التصحيح، التنسيقية، اللجان… الخ)، وبعد النجاح في تقسيم مجتمع كالمجتمع السوداني الواحد في مرحلة أولى (قبل 2011) إلى ديني ومدني (تشجيع الحركة الإسلامية والانفصال المسيحي)، وتم فصل الجنوب على هذا الأساس الزائف، انتقل الأمر إلى تقسيم ما بعد الربيع العربي وما بعد 2019، إلى مجتمعين مدني وعسكري، ثُم أصبح هذان المجتمعان يوصفان فيما بعد بالمُكوَّنين (العسكري والمدني)، في مقاربة غريبة عن تقاليد هذا البلد وتاريخه، وفي تقليد أعمى للأنظمة الغربية التي لها خلفياتٌ تاريخية وحضارية مختلفة تماما في هذه المسألة. وكان من المُتوَقَّع أن ينتهي المطاف بهذا المسار إلى ما انتهى إليه اليوم إذ يتم تقسيم ما أسموه “المُكَوَّن العسكري” إلى مُكوَّنَين برأسين، هذا يوصَف بالتقليدي الدكتاتوري المناصر للإسلاميين، وذاك يوصف بالمرتبط بالحرية والديمقراطية الداعي إلى نظام سياسي جديد غير استبدادي يقوده مدنيون! ياللسخرية!

سخرية، لا يوجد أبعد منها عن حقيقة الخيار الذي يخدم الدولة السودانية في كليتها، بل وتلاعب بعواطف الناس، والعمل لإدخالهم في مزيد من المتاهات والصراعات تكون فرصة لإبقاء هذا البلد العملاق ضعيفا، والاستمرار في نهب ثرواته وتقسيمه أكثر فأكثر حتى أصبح الكيانُ الصهيوني يذرف دموع التماسيح على استقراره.

لذا، فإن القوى الوطنية اليوم أصبحت مطالبة بوقف هذا التسيُّب الفكري والسياسي والأمني من خلال التخلي عن أوهام ما يُسمَّى “الانتقال الديمقراطي”. السودان بحاجة إلى دولة مُوَحَّدة، يَحميها جيشٌ واحد، ويعيش فيها شعبٌ واحد، يضع نصب عينيه كيف يَخرج من ربقة التَّخلف الاقتصادي والاجتماعي، ضمن آجال محددة، وتلك هي السياسة الحقيقية، أما بقـيَّة الأشكال السياسية بتعابيرها المختلفة فليست سوى مجرد مضيعة للوقت وفيها تحطيمٌ مُمَنهَج للدولة. لا فرق بين المدني والعسكري في السودان ولا تقسيم بينهما ولا أولوية لأي منهما على الآخر. تلك الشعارات الزائفة كلّها يجب أن تُلغى إذا ما أراد السودانيون للسودان أن يعود من جديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!