السودان.. هل تلتحق بقائمة المُهرْولين؟!
يبدو أن هناك توجّها بدأ يبرز لدى السودان هذه الأيام، للالتحاق بقائمة المُهرولين العرب، والاعتراف بما يُسمى “دولة إسرائيل” وتطبيع العلاقات معها، وإدارة الظهر للمقاومة الفلسطينية.
وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور قال صراحة إن “السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل”، و41 شخصية سياسية تؤيّد إقامة “علاقات مشروطة؟!” معها، وهذه الأخبار نشرتها وكالة الأنباء السودانية نفسها، ولو نشرتها أي وكالة أنباء أجنبية لشككنا في أنها أخبارٌ “ملفقة” و”مغرضة”.
هذا ويؤكّد أن السودان قد باتت “تفكّر” جدّياً في الهرْولة نحو الكيان الصهيوني أسوة بدولٍ عربية عديدة، وفي مقدّمتها مصر والأردن، ودول أخرى تقيم علاقاتٍ متعدِّدة الأشكال مع الصهاينة منذ سنوات طويلة، وهي تحضّر شعبها تدريجياً لهذه الخطوة غير المتوقعة، وتجريعه السمّ قطرة قطرة.
من غير المعقول أن يتحوّل الكيانُ الصهيوني بين عشيةٍ وضحاها، من عدوِّنا الأول إلى “صديقٍ” جديد نُلقي إليه بالمودّة، فهذا الكيانُ الإجرامي العنصري احتلّ فلسطين، وشرّد الملايين من شعبها، ورفض أن يُقيم الفلسطينيون دولتهم المستقلة على 22 بالمائة فقط من أراضيهم التاريخية واستكثرها عليهم، وهو يشنّ عليهم منذ 68 عاماً حرباً لا هوادة فيها لتركيعهم وإجبارهم على قبول احتلاله لأرضهم، والكف عن أيِّ شكل من أشكال المقاومة، وهو يُغرِق الضفة بالمستوطنات، ويهوِّد المدن والمقدَّسات ويسعى إلى تهديم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم مكانه، ومذابحه بحقّ الأطفال والنساء والمدنيين عموماً لا تُحصى، بل إنه دعم جنوب السودان خلال الحرب الأهلية وأدى دورا كبيرا في فصله عن شماله… أبعدَ هذا كله يمكن أن تركن إليه السودان وتعترف باغتصابه فلسطين، وتقيم علاقاتٍ دبلوماسية معه وكأن شيئاً لم يحدث؟
ويبدو أن السودان تريد إنهاء الحصار الذي تضربه عليها أمريكا منذ سنواتٍ طوال بتهمة “دعم الإرهاب” وأضرّ باقتصادها، فاهتدت إلى فكرة التطبيع مع ربيبتها الصهيونية لترفعه عنها، وربَّما أوعزت أيضاً برفع الحظر عن سفر الرئيس البشير إلى أيّ بلدٍ يريد من دون أن يخشى القبضَ عليه وتحويله إلى محكمة الجنايات الدولية ليُحاكَم بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
إنه تحوّلٌ دراماتيكي في السياسة الخارجية السودانية إذا أقدمت فعلاً على الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقاتٍ معه؛ سيكون تحوّلاً بـ180 درجة إذا حدث.. السُّودان التي طالما كانت نصيراً للمقاومة الفلسطينية في غزة، تفكّر الآن في الالتحاق بقائمة المهرولين والمطبّعين مع الاحتلال، وإدارة ظهرها للمقاومة، لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية، وذريعتها في ذلك أنّ دولاً عربية تقيم علاقاتٍ مع الصهاينة، فلماذا تكون استثناءً؟!
لو فعلتها إحدى دول “الاعتدال” العربي التي طالما افتخر نتنياهو بـ”تحالفه الاستراتيجي” معها، لهان الأمر، فكل شيء بات متوقعا منها الآن، أما السودان، فإن مجرد “تفكيرها” في ذلك، لا يمكن تجرّعه بالنظر إلى تاريخها الطويل المشرّف إزاء قضايا الأمة وفي مقدمتها قضيتها الأولى فلسطين.
نأمل صادقين أن تكتفي القيادة السودانية بـ”التفكير” في التطبيع ثم تعزف عنه، حتى لا تخسر ودّ شعبها في سبيل كسب رضا الأمريكيين والصهاينة، ولن يرضوا عنها.