الرأي

السيسي “يُعيّد” عليكم

قد يكون قهر الإخوان من طرف الانقلابيين، والحملة الإعلامية الكبرى التي تبعت هذه المعركة، ضمن ضروريات المرحلة من مفهوم أشهر رواد الانقلابات في العالم، ضمن معادلة الأرض لا تسع إلا لواحد، ولكن المفاجأة التي لم تخطر على بال أحد أن يكون الانقلاب شاملا، لم يتوقف على حدود الإعلام والسياسة، وإنما طال القضاء المصري الذي ظنّنا بكثير من حسن النية، عندما جرّ مبارك وابنيه وعصبته إلى القضاء، أنه قد تحرر من القوانين النابوليونية التي يمشي بها، ومن القبضة الحديدية التي كانت تقول له “كن” منذ عهد الملك فاروق، إلى عهد حسني مبارك فـ “يكون”.

القضاء المصري الذي لم يرحم في تاريخه سيد قطب، وخالد الإسلامبولي وغيرهما، وجرهم جميعا إلى المقصلة، قرر الإفراج عن حسني مبارك، ومن الطرائف أن أحد القضاة المصريين في عيد الفطر لعام 2012، قال أنه لم يعد يستطيع قول عيد مبارك في مختلف الأفراح، لأن كلمة التبريك تذكّره بالرئيس الذي ظلم المصريين، ليعود الآن ويقول أن كل أعياد مصر وبقية أيامها مبارك، ما دام الرئيس قد عاد معززا مكرما، لينسف آخر أطلال الثورة المصرية التي قصفها بالثقيل السيسي وجماعته. ولأن مصر مازالت توحي للكثيرين بأنها الأخت الكبرى للعرب وحتى للمسلمين، فإن ما يحدث في مصر في الفترة الأخيرة يقدم نموذجا لا أخلاقيا لأخت تمنينا أن تبقى عفيفة وطاهرة كما ارتضاها عمرو بن العاص، عندما فتح بلادها في عهد الخليفة الراشد فاروق الأمة.

والغريب أن شباب حركة “تمرّد” كانوا منذ بضعة شهور، يعتبرون أي حكم يقل عن المؤبد للرئيس السابق خيانة لدم الشهداء، ويهدّدون بالعودة إلى ميدان التحرير، في حالة زلزلة قرارات القضاء ليهلّلوا الآن للإفراج، ويسيرون في فلك الانقلابيين، في أغرب ثورة حدثت في العالم، ثورة على نظام قائم ثم ثورة لأجل إعادته إلى الحكم، وكما يحدث في كل الأنظمة العربية بما فيها الجزائر، حيث تم تفريغ العقول نهائيا، صار الكثيرون يحلمون بديكتاتورية صدام حسين، وجنون القذافي وتبعية زين العابدين بن علي للخارج وانبطاح حسني مبارك، هؤلاء الذين نسفوا بطاقة ذاكرة الشعب، وجعلوا غالبية الأحزاب والشخصيات مجرد هياكل غير قادرة على الصمود، لأن الإخوان الذي عاشوا أكثر من ثمانين سنة في الجهاد والاجتهاد بالكلمة والعقل نسوا أن يتعلموا لغة أعدائهم، فتمكن السيسي، كما تمكن من سبقوه في دول عربية كثيرة من سحب البساط من تحتهم، وهم الذين يمتلكون الشرعية والأغلبية، بحركة بهلوانية كان من المفروض أن لا تكون حدثا، لأن القرآن طلب من الناس أن يعدّوا القوة، وأن تكون العزّة لهم دائما.

 

مصر الآن عادت كما كانت في زمن مبارك، لكن الفارق الوحيد أنها كانت آمنة ومنوّمة للفتنة، ولكنها الآن تنام وتصحوا فوق براميل بارود من الفتن، وأكثر الناس تفاؤلا، لا يرى مصيرا مختلفا عن مصير ما حدث في العراق وفي سوريا.

مقالات ذات صلة