الشروق العربي
يحدث في شوارع العاصمة

“الشاي”يحضر على أرصفة الطرقات

الشروق أونلاين
  • 8062
  • 13

إن المتجول في طرقات العاصمة يشده الانتباه الى ظاهرة غزت مؤخرا أغلب أزقتها،أبطالها شبان من الجنوب الجزائري، تختلف أعمارهم من شاب الى أخر،ذوي لباس بدوي صحراوي يجوبون العديد من الطرقات خاصة التي يكثر فيها إزدحام السائقين مستغلين في ذلك هذا الظرف من الحياة اليومية لسكان العاصمة،يحملون أباريق كبيرة من “الشاي” ينتقلون بين هذا وذاك،يتبادلون النظرات مع مستعملي الطريق لعل قلب أحد منهم يحن ويطلب كوب “شاي”،هي يوميات “بائعو الشاي في الطرقات”.

“الشاي من إختصاص أبناء الجنوب دون غيرهم “

     لا يختلف إثنان أن تحضير مادة  “الشاي” هي من اختصاص أهل الجنوب الجزائري دون غيرهم ولم يقفوا عند تحضيرها فحسب بل ذهبوا الى أبعد من هذا فهم يتقنون في تحضير هذه المادة حسب ذوق الزبون فمنهم من يريد شاي مركزو منهم من يريده غير ذلك لكن الأكيد انك تشرب الشاي حسب ذوقك.

وأسالوا أهل الجنوب إن كنتم لا تعلمون

لم يكن من الصعب الخوض في هذا الموضوع كون الظاهرة إنتشرت في العديد من طرقات العاصمة بشكل كبير،ولعل السؤال الذي يستوجب علينا طرحه هو لماذا خصت الظاهرة بأبناء الجنوب دون غيرهم ولماذا أختار هؤلاء الزحف الى  العاصمة بالذات دون غيرها من الولايات الأخرى.

كانت وجهتنا “لاكلاسيار”هو المكان الذي ما إن ذكر حتى يتبادر الى ذهن العديد من الاشخاص التعدي على حرمات جيوبهم فقد شهدت المنطقة في وقت مضى حالة من الرعب طالت العديد من الافراد،كانت الساعة تشير الى تمام الثامنة صباحا وبداية النهار توحي بيوم حار وكان ذلك بالفعل ،وأشغال “الترام واي” تشرف على الانتهاء ومحنة “الكومبرومو” في منطقة “لاكلاسيار” سوف تحل الى الابد.

لحسن”أجني دراهم معدودات في النهار تنتهي قبل حلول الظلام” 

كان جالسا ينظر الى المارين بالسيارات في تمعن،تظهر على ملامحه أثر التساؤل أترى فيما يفكر؟ هل في النعمة التي خص الله الكثير من الناس وهو ينظر الى السائقين من حوله في نعمة المركب التي أورث الله العديد من عباده فيها من دونه هو ؟هل يفكر في العائلة التي تركها من بعده في المدينة الأم؟لكن ربما هو يحلم في يقظة مادام لا يوجد هناك من يريد كوب”شاي”حتى جلسنا اليه لم نرد أن نوقضه من حلمه فربما يحلم في حريته لكن عملنا أوجب علينا التطفل عليه.

 “لحسن”شاب من ولاية تمنراست قارب عمره العقد الثالث إمتزج لون الهندام الأسود الذي يرتديه بالبشرة السمراء لأهل الجنوب الجزائري، يجلس على صخرة الى جانبه إبريق من النحاس الخالص فوق جمر لا دخان له ، بابتسامة عريضة كشفت عنابه الناصع البياض بادرنا بالقول ” السلام مرحبا بكم” جلسنا الى جانبه فوق صخرة هي الأخرى من بقايا اشغال”الترام واي” إفتتحنا الجلسة معه بكوب “شاي” يقول” ارتحلت الى العاصمة مند ثلاث سنوات،السبب الوحيد الذي دفعني لان أهجر الصحراء والإتجاه الى مدن الوسط والشمال هو البحث عن منصب عمل في أي مجال كان لكن لم استطيع الوصول الى هذا لا في مدينتي ولا في الجزائر العاصمة،فقد قضت الوساطة على فرص العمل للعديد من الافراد خاصة نحن ابناء الجنوب فلا حظ لنا في العمل في مدن الشمال والوسط إلا من لديه مستوى دراسي رفيع وأنا لست كذلك أو العمل في ورشات الأعمال الشاقة  “

يحدثنا لحسن وعيناه تذهب هنا وهناك فهو حريص على كسب رزقه من مادة الشاي مادامت الدخل الوحيد له “هذا الكسب هو الوحيد لي، عملت في مدينتي في إحدى المقاهي لذلك كسبت تجربة إعداد هذه المادة منها، لم أجد فرصة العمل في أي مجال أخر ماعدا الاعمال الشاقة لذلك فضلت بيع الشاي في الطرقات ،بالرغم من ان المكسب زهيد فما أجمعه بالنهار يذهب قبل بداية يوم أخر إلا انني مرتاح بهذا الدخل والحمد لله البركة في القليل”يبتسم””في هذه اللحظة تقف سيارة عند”لحسن “ويطلب منه السائق كوبين من الشاي يناوله الكوبين ويرجع الى الحديث إلينا”أخترت الترحال الى العاصمة لأن فرص العمل فيها كبيرة لكن للأسف لم أحصل على عمل ماعدا بيع الشاي في الطرقات والحمد لله على كل حال المهم هو الكسب الحلال ولو بضع دنانير لسد رمق الجوع وحتما سوف يتبدل الحال إن شاء الله” على أمل تبدل حال لحسن تركناه وسرنا الى موضع أخر غير بعيد عنه أين يقف شاب أخر في الجهة المقابلة هو كذلك من بائعي الشاي في الطرقات.

ياسين” فائدة الجنوب في بتروله وليس في شبابه

كان الحديث الى لحسن سهلا عكس ياسين الذي لم يكن من السهل الحديث اليه في موضوع بيع الشاي في الطرقات فقد كان حديثه الينا أقرب الى التحليل وعدم الرضى لعدم تكافئ الفرص في العمل بين شباب الشمال وشباب الجنوب الى شيء أخر على حد قوله “السبب الوحيد الذي أتى بي من الجنوب الى الجزائر العاصمة هو البحث عن منصب عمل فلو أعطيت لنا فرصة العمل في الجنوب لن أهجر مدينتي من أجل دراهم معدودات أجمعها في النهار وتنتهي قبل حلول الظلام،وسبب ما يحدث لنا ابناء الجنوب هو عدم تكافئ الفرص في العمل بيننا وبين أبناء الشمال وهذا راجع الى التهميش الذي يطال الجنوب ككل ليس في مجال العمل فقط ففائدته بالنسبة للكثير من المسؤولين هو البترول فحسب أما الشباب والكفاءات فلا حاجة لهم بها”يحدثنا ياسين وعلامات النرفزة تطفو على وجهه،شاب  تجاوز عمره العقد الثالث لم يغريه اللباس الحضاري لأهل العاصمة وبقي في الهندام الذي خص به أبناء الجنوب الجزائري غلب عليه اللون الأزرق يخيل اليك انك تحدث الرجل الازرق التاركي ،ناولنا شاي وهو يبتسم فكر قليلا ثم أضاف”ليس من السهل العمل في الجنوب بالإضافة الى عدم وجود عمل هناك الظروف الطبيعية القاسية فيجب أن تكون هناك وسائل حضارية من شانها تسهيل العمل في تلك الظروف وهذا لا يوفر إلا للعاملين في الشركات الكبرى أو الشركات الاجنبية ،ومستوانا الدراسي محدود لذلك لم نوفق في الحصول على منصب شغل وأنا كما ترى أبيع الشاي في طرقات العاصمة مند أكثر من عام”في لحظة من الزمن يستقر ياسين تحت ظل عمود وهو يفكر ثم يتهيأ للسير وتغيير المكان أترى أزعجناه أم ماذا لكن قبل حمل الأبريق والقفة التي يحمل فيها أكواب الشاي و”الكاكوكاو” خاطبنا قائلا”المهم الكسب الحلال وهذا هو المهم، من الشاي أو غيره فلا أرى عيبا أن أبيع الشاي في الطرقات مادام هو مكسب حلال وهذا خير لي من أن أمد يدي الى الناس أعطوني أو منعوني” جملة حكيمة جاءت من عقل حكيم وإن كانت من بائعي الشاي في الطرقات فإذا كانت الحكمة تؤخذ من أفواه المجانين فلا باس كذلك أن تؤخذ من فاه ابن الجنوب يبيع الشاي في طرقات العاصمة.  

مقالات ذات صلة