-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشباب والميديا: تعبير عن الذات أم ذوبان في الآخر؟(2/2)

محمد قيراط
  • 4335
  • 0
الشباب والميديا: تعبير عن الذات أم ذوبان في الآخر؟(2/2)

يقضي الشباب ما يزيد على الست ساعات يوميا ما بين التلفزيون والانترنيت والهاتف النقال كمستهلك للمواد الإعلامية المختلفة وكمستقبل ومرسل من خلال الوسائط الجديدة للاتصال واستخداماتها العديدة في مجال الشبكات الاجتماعية والدردشة والبريد الإلكتروني وغير ذلك.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو، هل فتح الوضع الجديد المجال أمام الشباب للتعبير عن ذاته ومشاكله وهمومه؟ وهل سمحت هذه الوسائط الجديدة للشباب الخوض في الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ليجد لنفسه مكانا للمساهمة والمشاركة في صناعة القرار؟ هل استغل الشباب هذه الفضاءات الجديدة لتأكيد وجوده كطرف هام في المجتمع وكشريحة اجتماعية يجب أن تُعطى نصيبها من المشاريع والاستراتيجيات التنموية التي تضعها الدولة؟ أم أن الفضاءات الجديدة زادت من تهميش الشباب واغترابه وعيشه في عالم افتراضي لا علاقة له بالعالم الواقعي الذي يوجد فيه؟ هل أدت فضاءات الاتصال الجديدة بالشباب إلى الذوبان في الآخر وإلى تبني قيما لا علاقة لها بالنسيج القيمي للمجتمع؟ هل الوضع الجديد هو عملية انجراف ثقافي وانهيار النسيج الاجتماعي والدخول في مرحلة الاغتراب وانفصام الشخصية؟ هل استطاع الشباب من خلال فضاءات الاتصال الجديدة اختراق الوضع الراهن واختراق النظام لتغيير الأوضاع وتصحيحها؟ أسئلة عديدة يطرحها الوضع الاتصالي الجديد في أوساط الشباب، نظرا للساعات العديدة الذي يقضيها هذا الأخير في التعرض واستهلاك المنتجات الإعلامية والاتصالية.

السؤال الذي نطرحه هنا ونحن نستعرض ظاهرة خطيرة تمس مؤسسة استراتيجية في المجتمع وتمس طاقة هامة جدا من الطاقات المتوفرة في المجتمع والتي بإمكانها أن تحل مشاكل عديدة وتسهم إسهاما كبيرا في عملية التنمية الشاملة، كيف نضع حدا لهذا التسيب ولهذا الانحراف ونضع المؤسسة الإعلامية في طريقها الصحيح؟ تستوقفنا هنا ثلاث مؤسسات رئيسية تتمثل في وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحافيين. هذه المؤسسات الثلاث كل من جهتها مطالبة بحماية المهنة من المتطفلين والتجار والانتهازيين الذين يستعملون الصحافة للابتزاز والفضائح والجنس والتشهير ونهش أعراض الناس.

المؤسسات سالفة الذكر، كل حسب اختصاصها، بإمكانها أن تضع الحقوق والواجبات وتحدد مسؤولية كل واحد. كما أنه بإمكانها إقصاء كل غريب ودخيل على المهنة، وهذا في حدود القانون المعمول به وفي حدود ميثاق أخلاقيات المهنة وفي حدود الأعراف والعادات والتقاليد والقيم والأخلاق المتداولة في المجتمع. نحن هنا لا ندعو للرقابة والتدخل السافر في عمل المؤسسة الإعلامية وإنما الدعوة هنا موجهة للضمير المهني وللضمير الأخلاقي. فكل صحافي في مجتمعاتنا العربية يجب أن يتساءل ويقول ماذا قدمت للمجتمع؟، ماذا قدمت للقارئ؟ وما هي الأخطاء والتجاوزات والأمراض الاجتماعية التي عرضتها على الرأي العام وصاحب القرار واتخذت فيها إجراءات وقوانين وتشريعات لتصحيحها والقضاء عليها؟ مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى صحافة ملتزمة نزيهة ومسؤولة، صحافة رأسمالها يكون الجمهور وربحها خدمة الجمهور وتحقيق التنمية الشاملة. أما عن صحافة الجنس والإثارة والفضائح  والتشهير فهنالك أمور أكثر أهمية منها تنتظر كل من المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال لمناقشتها وطرحها على الرأي العام للدراسة والمعالجة.             

ونظرا للأهمية الاستراتيجية للممارسة الإعلامية ودورها المحوري في المجتمع، فإنه من الأهمية بمكان على القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية نفسها التقيد والامتثال للثوابت والمحددات والمستلزمات التي تحكم هذه المهنة والتي نلخصها فيما يلي:

على القائم بالاتصال في دولنا العربية الإسلامية أن يضع نصب أعينه الواقع الذي يعيش فيه بكل مكوناته وثوابته وعاداته وتقاليده، ولذلك يجب أن يبتعد على التقليد الأعمى وعلى بعض الممارسات الصحفية التي لا تنسحب ولا تنسجم مع المجتمع العربي الإسلامي ومع المستقبل في هذا المجتمع. وكلنا يعلم الفراغ الديني التي تتخبط فيه المجتمعات الغربية وكذلك المواضيع التافهة والساذجة التي تحتل في الكثير من الأحيان الصفحات الأولى من الجرائد وأوقات الذروة في القنوات التلفزيونية.

إن حرية الصحافة هي مسؤولية اجتماعية قبل كل شيء، والمقصود بالمسؤولية الاجتماعية هو أن المؤسسة الإعلامية هي مؤسسة اجتماعية في خدمة الحق والفضيلة، فحرية الصحافة ليست فوضى وليست الإفصاح والتطرق لكل ما يجول ويصول بالبال، وإنما هناك قوانين وتشريعات وضمير مهني لتقديم مادة إعلامية تخدم الحق وتكشف عن الواقع وتنير الرأي العام من أجل عطاء أكبر ومن أجل تصحيح الأخطاء والاقتداء بالمثل العليا وبالأخلاق والفضيلة. فالفرد في المجتمع له الحق في المعرفة وفي نفس الوقت له الحق في الخصوصية وصيانة حياته الخاصة.

أن تحترم حرية الصحافة الحياة الخاصة للآخرين، ويجب على الصحافي أن يعرف حدوده ولا يتخطاها باستعماله قلمه ومنصبه لتحقيق أهداف وأغراض تكون بعيدة عن الكشف عن الحقيقة وإبلاغ الجمهور، وإنما الانحراف والابتعاد عن الضمير المهني وأخلاقيات المهنة لتحقيق مصالح شريحة أو فئة معينة على حساب المجتمع بأكمله.

رسالة القائم بالاتصال في الدول النامية تتحدد قبل كل شيء في مهام نبيلة وفي أولويات محددة تتعلق بالتنشئة الاجتماعية والتوعية والتثقيف وتصحيح الأخطاء والهفوات وتنوير الرأي العام من أجل عطاء أكثر وأداء أوفر.

تهدف حرية الصحافة إلى خدمة الصالح العام من جمع وتوزيع الأخبار والهدف هنا هو تمكين الرأي العام من إصدار أحكام صائبة ورشيدة على قضايا العصر. كما من واجب القائم بالاتصال أن يراقب ويكشف ليس أفراد المجتمع فقط وإنما المشرفين والقائمين على السلطة كذلك إذا استخدموا نفوذهم وسلطتهم لأغراض شخصية ولدوافع أنانية.

حرية الصحافة هي ملك للشعب بكامله ولذلك يجب صيانتها والدفاع عنها وعدم الإساءة في استخدامها.

الصحافي الذي يحترم نفسه وجمهوره ومصادر أخباره ومهنته هو الصحافي الذي يعمل بالصدق والدقة وعدم التحيّز والتقيّد باحترام حقوق الشعب ومراعاة الآداب العامة وهو الصحافي الذي يعمل ليل نهار من أجل المحافظة على سمعته واسمه وكذلك المحافظة على مهنته وسمعة مؤسسته. وليعلم الصحافي أن الجمهور ليس غبيا ويستطيع أن يفرق بين “الدعاية المجانية” و”التطبيل والزغردة” والتملق وبين الصحافة الهادفة والغائية.  

لقد أدى التطور التكنولوجي السريع إلى غزو الفضاء وتقليص المسافات وعالمية الكون، حيث أصبحت القرية العالمية حقيقة وغزت ثقافة “الماكدونالد” مختلف بقاع العالم وجاءت ثقافة النظام الدولي الجديد لتفرض ثقافة موحدة على العالم؛ ثقافة تقودها الشركات متعددة الجنسية التي تسيطر على المركب الصناعي العسكري الاتصالي. وهذه الشركات تنشر عبر وسائل الإعلام العالمية الثقافة العالمية التي تنفي الثقافات الأخرى وتنشر الثقافة التي تخدم أهداف ومصالح هذه الشركات. وجاءت الفضائيات العربية، ونظرا لغياب خطة إنتاجية مدروسة، ونظرا لغياب موازنة معتبرة، فإنها وجدت نفسها فرعاً من فروع هذه الشركات متعددة الجنسية تعلن عن منتجاتها وتروّج لسلعها وقيمها وأفكارها. وأصبحت دون أن تدري صندوق بريد يستعمل لتوزيع منتجات الآخرين. فبدلا من مواجهة الغزو والقيم الدخيلة ونشر الثقافة المحلية والقيم العربية الإسلامية أصبحت القنوات العربية من خلال المنتجات المعلبة وسائل تابعة تدور في فلك آلة إعلامية عالمية تروّج الأفكار الأقوى اقتصاديا وسياسيا على المستوى العالمي. والجدير بالذكر، هنا هو كيف نقاطع الثقافة العالمية وكيف نستطيع أن نستفيد منها والمحافظة على ثقافتنا وتراثنا وحماية هويتنا الوطنية، والإجابة هنا تكمن بطبيعة الحال في الإنتاج والعمل وتطويع التكنولوجيا والعلم لخدمة أهدافنا ومصالحنا وفوق ما نريده نحن وما نخطط له.

أدّت العولمة وسيطرة الشركات متعددة الجنسية على الصناعات الثقافية إلى ضياع الفضائيات العربية في ثقافة التسلية والتسطيح والتهميش، حيث التركيز على البرامج الخفيفة من منوعات وسباق الأغاني ومسابقات وبرامج تهدف إلى سد الفراغ وملء أوقات البث… الخ، كل هذا على حساب البرامج الجادة التي تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحساسة والتي تساهم في إشراك الجماهير في الحياة الاجتماعية والسياسية. باختصار، أن بعد المسئولية الاجتماعية يكاد ينعدم في القنوات الفضائية العربية والتركيز يكاد يتمحور حول البعد التجاري والربحي ـ الإعلانات ـ وبعد الولاء السياسي الذي يعمل على ترسيخ النظام وتبريره وتمرير خطابه السياسي بغض النظر عن أي اعتبار آخر. هكذا أدت ثورة المعلومات والثورة التكنولوجية الاتصالية إلى إلغاء الخصوصية الثقافية ونشر ثقافة “الكوكاكولا” و”الميكي ماوس” و”الهامبرغر”، والغريب في الأمر أن وسائل إعلامنا تساهم في هذه العملية بكل افتخار واعتزاز.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!