-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشروق تزور ضحايا التدخين في مستشفى القبة

الشروق أونلاين
  • 6682
  • 0
الشروق تزور ضحايا التدخين في مستشفى القبة

المكان، مصلحة الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى القبة، الزمان الواحدة وثلاثون دقيقة زوالا، وهوموعد زيارة العائلات لمرضاها. حركة كبيرة في أروقة المصلحة لعائلات تهرول للقاءٍ قد يخفف من معاناة المرضى و يطمئن أهاليهم على حالتهم. نتجه نحو مكتب البروفيسور ياحي رئيسة المصلحة عابرين رواقا طويلا، يحوي بين جنباته غرفا تُخفي وراء أبوابها الموصدة قصصا مؤلمة لمعاناة مريرة مع المرض .. وأناس يقظون بقية حياتهم بفتحة في الرقبة وتبعاتها.ومن الأمور التي تلفت انتباهك من الوهلة الأولى هو عدد النساء المصابات بهذا السرطان والذي يتجاوز عدد الرجال في المصلحة وهذا ما أكدته البروفيسور ياحي:..”في السنوات الاخيرة لمسنا ارتفاعا وتزايدا ملحوظا في عدد النساء المصابات بسرطان الحنجرة وهذا مؤشر خطير ..” وبد أت الجولة .

اجهزة حديثة ..و المأساة أقوى
وأول غرفة في جولتنا كانت غرفة مخصصة للتشخيص والكشف, مزودة بأجهزة حديثة علق عليها أحد الأطباء بـ “التاويل كاين..”. وحقا فمظهر تلك الأجهزة ينبؤك بأنك ستلقى تشخيصا بأجهزة عالية التكنولوجيا والدقة . إلا أن المشكلة ليست في الأجهزة ولا في الأطباء وإنما في المرضى والمصابين بهذا الداء ـ حسب رأي الدكتور يازبد ـ الذي حدثنا مطولا عن تجربته في تشخيص عدد من حالات الاصابة بسرطان الحنجرة، حيث يقول:”القاسم المشترك بين الحالات التي عالجتها هو أنها حالات متقدمة أي أن الداء استفحل في جسم المصاب والورم احتل مساحة كبيرة من الحنجرة مايعقد المسألة ومايزيد الطين بلة”. وألح علينا لتمرير رسالته التوعوية بضرورة الفحص والاتصال بطبيب مختص في الأنف والأذن والحنجرة بعد الاصابة ببحة في الصوت أو ألم في الأذنين أوظهور أورام (ولسيس) على مستوى الرقبة أسفل الأذن لكل شخص تجاوز الأربعين وسبق له وأن تناول ولو سيجارة واحدة أوجالس مدخنين في حياته، وأشار إلى لجوء الكثيرين لوصفات شعبية كالعسل وبعض الحشائش لمعالجة هذه البحة أوحتى أدوية الزكام، مضيّعين للوقت – والقضية قضية وقت- فكلما تأخر الكشف عن الورم كلما زاد حجمه و تفاقمت تبعاته وكل هذه الأعراض من بحة في الصوت لأزيد من أسبوع أو ألم في الأذنين أوظهور أورام على مستوى الرقبة هي أعراض لسرطان الحنجرة .

“الحمد لله ..اكتشفت الخطر مبكرا”
أوضح لنا الدكاترة ذلك بأمثلة لحالات تمت معاينتها وكُشف عنها، كصور الكشف لحنجرة السيد (ز.مراد) الذي كانت حالته متقدمة جدا وخطيرة، أين احتل الورم مساحة كبيرة من الحلق لدرجة أنه أغلق فتحة القصبة التنفسية في الحنجرة. وبالمقابل شاهدنا صورا عن حالات تم الكشف عنها مبكرا، أين كان الورم صغير الحجم ولا يحتل إلا الجهة الأمامية من الحنجرة على مستوى الحبال الصوتية وهذا ما اعتبره الدكتور دراجي “حالة مبكرة” سهلة للمعالجة، حيث ينزع جزء صغير جدا من الحنجرة وبالضبط من الحبل الصوتي، لتفادي القصبة التنفسية التي تبقى سليمة في الحالات المبكرة. لتعرض علينا بعد ذلك البروفيسور ياحي عملية تشخيص حية لشخص سليم وحالة تم علاجها وحالة أخرى سيتم استئصال الورم في الغد. و قد تمّ الكشف بأنبوب يتم إدخاله في الحنجرة عن طريق الأنف بسهولة تامة ودون آلام وبواسطة الألياف البصرية يتم تصوير الحنجرة بأدق التفاصيل، ليظهر الفرق واضحا بين حنجرة السليم والمصاب أين ظهر الورم واضحا. و كانت صور الحالة التي تم علاجها واستئصال الورم منها خالية من الورم حالها حال الشخص السليم مع نقص في الحبال الصوتية. وكانت هذه الصور لعمي محمد الذي أجريت له العملية أمس، و قد حدثنا بصوت مبحوح:”أبلغ من العمر 75 سنة وأنا مدخن منذ 30سنة، وهذه هي النتيجة..الحمد لله ثم الشكر للأطباء الذين شخصوا سرطاني في حالة مبكرة وأنقذوني من هذا الداء اللعين”.

الندامة تسبق الفهامة ..
هذ المثل الذي ردده مطولا وبصوت مبحوح غير مفهوم عمي الطاهروهويحدثنا.عمي الطاهرالبالغ من العمر50 سنة والذي قضى نصف حياته أي ربع قرن في التدخين، إلا أن تبعات التدخين من قرحة معدية و أمراض صدرية و السعلة المتكررة لازمت عمي الطاهر مع أولى السجائر وهوشاب، ليخبرنا بصوته المبحوح أو ـ شبه صوت ـ الذي لا يخرج صداه إلا بغلق فتحة الرقبة بأصبعه: “أنا يا ولدي كنت أعلم أن التدخين سيوصلني إلى هذا، فطول حياتي وأنا أعاني من ويلات التدخين، وحاولت مرارا التوقف عنه إلا أنه الإدمان وطيش الشباب..” لتقطع كلامه دموع ندم و حسرة على صوت ذهب، و حاسة شم فقدها، وتنفس صعب من حلق مفتوح، وبلع عسير لطعام فقد نكهته. يواصل عمي الطاهر كلامه بنصيحة غالية مصحوبة بدموع أغلى “نصيحتي اليوم لشبابنا وأولادنا أن ابتعدوا عن هذه اللعينة ـ السيجارة ـ قبل أن يصير حالكم من حالي، وسرطان الحنجرة كالقنبلة الموقوتة لاتعرف متى تنفجر إلا أنها ستنفجر..”

نساء ضحايا أم مدخنات ؟
تركنا عمي الطاهر يمسح دموعه داعين الله له بالشفاء، لندخل قسم النساء وفي طريقينا إليه لفت انتباهنا الرائحة الطيبة التي تنبعث بين الغرف ونظافة المصلحة التي أثارت شكوكنا، أهي إذا ما هي نظافة مناسابتية ـ أي بمناسبة زيارة الطاقم الصحفي من جريدة الشروق ـ أما أنه حال المصلحة على الدوام، وهذا مادفعنا لسؤال المرضى وعائلاتهم عن نظافة المصلحة، فأجابونا بالإجماع على النظافة العالية بالمصلحة طيلة إقامتهم بها، والمعاملة الطيبة من قبل دكاترة المصلحة وعلى رأسهم رئيسة المصلحة البروفيسور ياحي، والصدق أنها ذات المعاملة التي لاقيناها كصحفيين . دخلنا غرفة السيدة (ب.ل) البالغة من العمر 53 سنة والقادمة من الجنوب الجزائري, استئذنا من عائلتها التي كانت تزورها وبعد السؤال عن حالها, أشارت لنا بأصابعها (ثلاثة) ولم تتمكن من الكلام لاستفحال الداء بحلقها . وأوضح لنا ابنها أنها تريد القول بأنها عانت ثلاث سنوات من بحة متزايدة لم تعرف سببها, إلى أن فقدت امكانية الكلام تماما ـ وما ان لفظ ابنها هذه الجملة حتى انهمرت السيدة ب.ل بالبكاء ـ لنعتذرمنها ومن أسرتها ، ونفضل الخروج من الغرفة لاستكمال الحديث مع ابنها خارجا الذي أخبرنا : ‘أمي أطال الله في عمرها لم تمس في حياتها سيجارة واحدة , إلا أن أبي رحمه الله توفي منذ سبع سنوات بسب نفس السرطان , كان مدمن على التدخين وكان يدخن بالبيت بجانبها وأظن هذا هو السبب ‘ . لتؤكد لنا البروفيسور ‘ياحي’ هذه الفرضية , ومايعرف بالتدخين السلبي الذي يتسبب في اصابة الكثير بسرطان الحنجرة : ‘.. رغم أنهم لم يدخنوا في حياتهم, إلا أنهم بمجرد مجالستهم لمدخنين وهم يتناولون السجائر فهم أيضا يتناولون المواد المسرطنة , بطريقة غير مباشرة بسبب الدخان المنتشر في الهواء ‘. ولنكتشف حالات أخرى في غرف المصلحة لنساء أخريات بينهن شابات, لايتعدى سنهن 30سنة يرفضن اجراء عملية استئصال الورم , بسبب الفتحة التي ستستحدث على مستوى الرقبة , مايسبب الخجل لدى بعضهن في الظهور بهذا المظهر. ليفضلنا العلاج بالبدائل الكيماوية إلا أن حسب البروفيسور ‘ياحي’:’ يجب الاستئصال الكامل بعملية جراحية, لأن هذه البدائل العلاجية لاتعطي نفس النتيجة , والمشكلة أن النساء يرفضن الفتحة على مستوى الرقبة’ ورغم أن معظمهن لا ذنب لهن إلا أن هناك فتيات قادهن حب المغامرة, التحرر والتحضر المزيف إلا سيجارة لا تهديهن إلا شيخوخة مبكرة وسرطان بل سرطانات…

في انتظار القدر ..
وبعد جولتنا بين غرف المرضى ودردشتنا مع عائلاتهم عدنا لمكتب البروفيسور، لنشكرها على التسهيلات وكرم الضيافة. إلا أن أحد الأطباء استوقفنا ليحدثنا عن احتمال أفضع، وحالة يقف الطب والعلم عاجزا أمامها، وهي الحالة المتقدمة جدا لسرطان الحنجرة، والاحتمال الأمر من فتحة في الرقبة واستئصال للحنجرة هو انتظار الموت… وحدثنا عن حالة السيد ط.ل الذي أدمن على التدخين لسنوات، وأصيب ببحة لم يليها أي اهتمام ماساعد في استفحال الداء، ليعجز الأطباء على القيام بعملية استئصالٍ للورم بسبب حدة استفحاله. وهذا المريض متواجد الآن بغرفة خاصة بالمصلحة ينطفئ كل يوم شيئا فشيئ . فقمنا بزيارة خاطفة لغرفة السيد ط.ل، الذي وجدنا معه زوجته التي رفضت التقاط الصور, فضلا على أنه كان في عزلة ملتحفا بغطاء يغطي جسده النحيف للغاية، وكأنه عود خشب ولم نجد مانصبرأهله به إلا: ‘الأعمار بيد الله والشفاء ليس بالعسير عليه سبحانه جل وعلى’ .

زين العابدين جبارة

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!