الرأي

الشعب يريد… بقاء السودان!

قادة بن عمار
  • 2076
  • 9

خلّف شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الخراب والتدمير بالعالم العربي، ليس بسبب خلل في الثورات الشعبية، ولا بسبب الندم على سقوط تلك الأنظمة المستبدة التي كانت تستحق الزوال، لكن لغياب التأطير، واجتهاد الثورات المضادة في إجهاض التغيير، وتكاتف المتآمرين على الشعوب المستضعفة في الداخل والخارج.
هذا الشعار بتنا نسمعه مجددا في شوارع الخرطوم وأم درمان وغيرهما من المدن السودانية، ممّا يجعلنا نتأكد مرة أخرى من أن تلك الأنظمة الاستبدادية لم تتعلم الدرس بعد، ولم ترضخ للتحولات، بل باتت تلجأ إلى طريقة بشار الأسد في تصفية المخالفين والمطالبين بالتغيير السلمي، لذلك لم يكن مستغربا أن يلجأ عمر البشير مثلا إلى قطع الإنترنت وإنزال الجيش إلى الشوارع وزيادة أجور قادة المخابرات والدعوة إلى قمع المتظاهرين مع التشكيك بوجود “قلّة مندسة” لا تريد الخير للسودان والسودانيين!
الواقع والمنطق يقولان إنّه كان يتوجّب على عمر البشير الانسحاب من السلطة منذ وقت طويل، أو على الأقل، بعدما فرّط في نصف أرضه، وقرر تقسيم البلد إلى دولتين، كما بات في حالة فرار دائم من الملاحقة الدولية ولا يفعل شيئا غير بيع مواقف السودان لمن يدفع أكثر، ثم هاهو يلعب دورا قذرا يتمثل في إعادة بشار الأسد إلى الحضن العربي “بأمر خليجي وضوء أخضر أمريكي ودعم روسي”!
البشير خصّص كل المساعدات المالية التي حصل عليها من هنا وهناك، لتقوية جيشه، وزيادة رواتب مناصريه، والاحتماء بهم من الشعب، وهاهو اليوم يعد بإصلاحات اقتصادية في الوقت الضائع، ويا ليته سأل بشار الأسد كيف انحرفت الأمور عنده من مجرد مظاهرة بسيطة لأطفال صغار في “درعا” إلى ثورة “مسلحة” على النظام، ثم فرّخت لنا تدخلا أجنبيا من كل الجهات وأغوت عدة جماعات إرهابية للبروز، فأمعنت هذه الأخيرة في ذبح السوريين موازاة مع قيام الطيران الروسي بقصفهم جوا، فكانت الخسارة معتبرة للسوريين جميعا، من هم في النظام ومن هم خارجه، فهل يريد عمر البشير تكرار المأساة السورية؟ أم إنه سيفرّ هاربا من المعركة مثلما فعل زين العابدين بن علي؟
بات من اليقين، أننا كعرب، لا نتعلم الدروس، ولا نستخلص العِبر، وهاهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يُقسّم سوريا كما يُحب، ويُوزّع الأدوار فيها مثلما يشاء، فتركيا ستتكفل عسكريا بملاحقة داعش، فيما ستضخ السعودية الملايير لإعادة إعمار ما دمره الجميع، أما الإماراتيون فمهمتهم تتلخص في إعادة بشار الأسد إلى الحضن العربي، ويحدث كل ذلك تحت إشراف روسي مباشر وبموافقة إيرانية.
توزيع الأدوار هذا، قد نشهد له مثيلا في السودان غدا، سواء بثورة أم من دونها، لأنّ الحاكم العربي تعوّد على الاحتماء بالأجنبي بدلا من الاحتماء بشعبه، وفضّل الاستقواء بالخارج بدلا من الولاء للداخل وهذه هي الكارثة التي ما فتئت تتكرر والمأساة التي لا تريد أن تتوقف.

مقالات ذات صلة