“الشعب يُريد القصاص”
شيّع الآلاف من سكّان وهران،الأحد، جنازة الطفلة “سي محند نهال”، إلى مثواها الأخيرة بمقبرة عين البيضاء في السانيا، أين حظيت بجنازة رسمية طوّقها المئات من عناصر الشرطة والدرك والحماية المدنية بمشاركة ممثلين عن السلطات المحلية والأحزاب والجمعيات، وهتف المشاركون في الجنازة بعبارات تطالب بتطبيق القصاص في حقّ قتلة الطفلة “نهال”.
استلمت ليلة الأحد، عائلة نهال ذات الأربع سنوات، بقايا جثّتها التي تمّ العثور عليها بعد اختطافها من قبل مجهولين في دشرة بتيزي وزو، حيث تمّ نقلها ليلا إلى وهران أين كان في استقبالها بحيّ الكميل الشعبي الذي تقيم فيه، المئات من المواطنين من سكّان الحيّ وما جاوره والذين قدّموا العزاء لوالد الطفلة نهال وباقي أفراد العائلة، كما قضى الجميع ليلة بيضاء تحضيرا لمراسيم الدفن التي إنطلقت أمس، في حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا، أين خرج الموكب الجنائزي من الحيّ وسط تعزيزات أمنية مشدّدة بحضور مختلف الأسلاك الأمنية.
وتمّ نقل جثّة الطفلة نهال على متن سيّارة إسعاف تابعة لمصالح الحماية المدنية، التفّ حولها المئات من المواطنين، لكن سرعان ما تزايد عدد الملتحقين بالموكب الجنائزي وتحوّل عدد المرافقين لسيارة الإسعاف إلى حشد عظيم يقدّر بالآلاف، توجّهوا إلى مقبرة عين البيضاء بالسانيا مشيا على الأقدام على مسافة تفوق 3 كلم، وتقدّم الراجلون الموكب الجنائزي العظيم فيما لحقتهم المئات من المركبات، ممّا إضطّر مصالح الأمن والدرك والحماية المدنية إلى تأمين المسار من حيّ الكميل إلى غاية المقبرة، بتسخير المئات من القوات والإطارات وبحضور شخصي للمدير الولائي للشرطة.
واستغرق المسير نحو ساعة ونصف، فيما يشبه المظاهرة أين قام المشيّعون بحمل صور الطفلة نهال والرايات الوطنية وملصقات وردّدوا شعارات متكرّرة لا تخلو من التوحيد والتكبير، مطالبين بتطبيق حكم الإعدام في حقّ قتلة الضحيّة، والقصاص من جزاء الفعل الذي قاموا به، وأكّدوا أنّ قضيّة نهال قضيّة وطنية تهمّ كلّ الأولياء والجزائريين، ونظرا لبعد المسافة ما بين الحيّ الذي تقيم فيه عائلة نهال ومقبرة عين البيضاء فقد اضطرّ الآلاف المشاركون في الجنازة إلى الهرولة للوصول باكرا، فيما تعذّر على المركبات المسير وسط إزدحام شديد، وقد تدفّق هؤلاء على المقبرة أين أدّوا صلاة الجنازة هناك.
أئّمة وعقلاء لتهدئة الغاضبين وسط تعزيزات أمنية
مصالح الأمن والدرك رافقت الموكب الجنائزي الهائل، إلى غاية دخوله إلى المقبرة وخروجه منها، مخافة حدوث أيّ إنزلاقات خطيرة من قبل غاضبين، أبدوا انفعالا شديدا في عدّة مواقف، خصوصا حين إخراج تابوت الميّتة من سيّارة الإسعاف، وقبل أداء صلاة الجنازة اضطرت مصالح الأمن إلى تشكيل طوق أمني محكم لتنظيم الأمور وقام الإمام باستعمال مكبّر الصوت من أجل دعوة الغاضبين إلى التزام الصمت واحترام حرمات المسجد والمقبرة والميّتة، والهدوء قدر الإمكان بعدما تعالت الأصوات بالتهليل والتكبير.
كما تطوّرت الأمور بعد أداء صلاة الجنازة وعادت الفوضى من جديد، حيث انطلق الآلاف في الموكب الجنائزي الذي شارك فيه أيضا العشرات من النساء والأطفال، أين تعالت الزغاريد مصحوبة بأصوات البكاء والصراخ، وهناك من اعتبر أنّ الطفلة نهال شهيدة لأنّها قتلت مغدورة، وقام البعض من السائرين في جنازة الفقيدة بحمل أطفالهم فوق رقابهم تضامنا مع عائلة الضحيّة مطالبين بردع حوادث الاختطاف والقتل.
وقد تمّ دفن الضحيّة وتغطيتها بالتراب وسط صعوبة بالغة بسبب تدفّق حشود الناس وتزاحمهم على القبر، فيما قام مجموعة من الشباب بتسلّق الأشجار المحيطة بالمقبرة لمتابعة الدفن، وسط تعزيزات أمنية مشدّدة، واضطّر العقلاء والأئّمة إلى الدعوة إلى الهدوء وضبط النفس عدّة مرّات.
كما ألقى أحد الأئمة كلمة أمام المشيّعين أشاد فيها بالوقفة العظيمة لسكّان وهران مع عائلة نهال، التي اعتبرها بنتا لكلّ الجزائريين وقضيّتها قضيّة وطنية، كما نقل تعازي رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة للعائلة وكذا الوزير الأوّل والطاقم الحكومي وتعازي الوالي ومختلف السلطات المحليّة، ودعا الشباب إلى التحلّي بالهدوء والدعاء للفقيدة وعائلتها، مستندا إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصص من السيرة النبوية حول المصائب التي تصيب المسلمين.
“ودّعنا نهال فهل انتهى مسلسل اختطاف وقتل الأطفال؟”
افترق الحشد المشارك في الموكب الجنائزي بعد أكثر من 3 ساعات منذ خروج جثّة نهال من بيتها، وسط حسرة وتأسّف بالغ وعميق بخصوص هذه الحادثة المأساوية التي حرّكت المشاعر وألهبت العواطف وجعلت الجميع يهرولون للمشاركة في تشييع الجنازة، وقد التمس العديد الأعذار لمن هتفوا داخل المقبرة وعبّروا عن سخطهم، نظرا لهول الوقائع ومرارتها، في حقّ بريئة لا ذنب لها.
وقد أبدى الجميع بمن فيهم عناصر الأمن والدرك والحماية المدنية وعناصر الجيش الوطني الشعبي الذين خرجوا إلى البوابة الرئيسية للمستشفى العسكري الذي مرّت به الجنازة، -أبدوا- تضامنا مع عائلة الضحيّة، وكان الأولياء والشباب والنساء السبّاقين إلى الإعلان عن مشاعرهم بالهتافات المطالبة بقتل الخاطفين وإعدامهم أمام الملأ، مردّدين “كلّنا نهال”.
جنازة من هذا النوع وبهذه المشاركة القياسية، لم تشهدها وهران منذ سنوات وقد حرّكت كيان عاصمة الغرب كأقّل ردّ فعل عن الجريمة المقترفة في حقّ نهال. وطيلة يوم أمس ظل بيت الضحيّة بحيّ الكميل يعرف توافدا للمعزّين والمتضامنين ووقفات احتجاجية بين الحين والآخر يشارك فيها حتّى الأطفال للتعبير عن مطالبهم على رأسها تطبيق حكم الإعدام وحماية الطفولة لإعادة الطمأنينة لقلوب الجزائريين. ويتساءل الجميع عمّا إذا كانت حادثة نهال ستكون الأخيرة أم أنّ مسلسل الاختطاف والقتل سيتواصل ليستنزف المزيد من أبناء الجزائريين ويروّع عيشهم.
“فايسبوك” يهتزّ بصور “نهال” وجنازتها الفريدة
قام العديد من الشباب المشاركين في جنازة الطفلة نهال بإلتقاط الصور وتسجيلات الفيديو ونشرها مباشرة على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، وسط تفاعل هائل من قبل المستخدمين وتناقل لهذه الصور والفيديوهات ما بين الصفحات وتعليقات تضامنية، ممّا حوّل واقعة إختطاف وقتل نهال إلى القضيّة رقم واحد التي تشغل بال الجزائريين هذه الأيّام، خصوصا وأنّ التحقيقات لا تزال متواصلة لكشف لغز الجريمة البشعة ووضع حدّ لمختلف الشائعات التي يروّج لها منها أنّ الطفلة يكون قد افترسها حيوان ضالّ وأخرى أنّه تمّ اختطافها وتقطيع أطرافها لاستخدامها لأغراض السحر والشعوذة ثمّ حرقها لطمس أدّلة الجريمة، بحيث لم يتّم الجزم حول الوقائع الحقيقية.
ولم تحصل العائلة بوهران وتيزي وزو على أيّ معلومات بخصوص تطوّرات التحقيق، فيما ينتظر أن يعقد وكيل الجمهورية ندوة صحفية لاحقا لعرض النتائج المتوصل إليها، وإلى ذلك تنتاب العائلات الجزائرية موجة خوف كبيرة بشأن أطفالهم، حيث تتخذ إجراءات صارمة بخصوص أيّ تنقّلات خارج المنازل وفرض رقابة مشدّدة لتجنّب وقوع سيناريو “نهال”.
الرايات الفلسطينية في جنازة “نهال”
قام مشاركون في تشييع جنازة الطفلة نهال بوهران، بحمل الرايات الوطنية والفلسطينية معا والتي اعتلت الموكب الجنائزي في دلالات واضحة على حضور القضيّة الفلسطينية في مختلف المحطّات والمواقف الجزائرية وفي إشارة إلى المئات من القتلى من الأطفال في فلسطين الذين يذبّحون ويقتلون تحت قصف العدوّ الإسرائيلي.