-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الشهداء” في أوكرانيا!

“الشهداء” في أوكرانيا!

لا يمرّ يومٌ من الحرب في أوكرانيا إلا ويعرّي الغرب الذي أنجز قاموسه الحياتي على مقاسه، فهو يسمّي من يدافع عن أرضه بـ”الإرهابي”، وقد يسمّي من يبيد شعبا أعزلا بأطفاله ومسنّيه، بـ”البطل”.

في نهاية جانفي من سنة 2002، قامت إحدى الشابات الفلسطينيات، بلفّ خصرها بحزام ناسف من المتفجّرات، وشقّت طريقها في شارع يافا في قلب القدس المحتلة، وفجّرت نفسها وسط مجموعة من العساكر الإسرائيليين، فقتلت جنديا وجرحت ما لا يقل عن المئة، فقامت وسيلة إعلامية مرئية في فرنسا بتشريح العملية، ودراسة الحالة النفسية للشابة الاستشهادية، وخلصت إلى أنها رضعت منذ طفولتها “الدماء”، وتتلمذت على أيدي “السفاحين”، وتحوّلت إلى آلة “انتحارية”، وعندما عجزت عن قتل “الأبرياء”، من الجنود الإسرائيليين، فجّرت نفسها “حقدا وإرهابا”. وتمرُّ الآن عشرون سنة عن حادثة القدس، ويتكرر المشهد ذاته بممثلين جدد، وتعود الفضائية ذاتها وبصحافي جديد؛ فالفاعل هذه المرة شاب أوكراني، فجّر نفسه من أجل نسف مخططات الروس، وخاضت الفضائية الفرنسية ومعها الكثيرُ من وسائل الإعلام الغربية في الحادثة، لتعتبر ما قام به هذا الجندي “بطولة وشرفا”، وشرّحت العملية وقامت بدراسة نفسية الشاب الأوكراني، وخلصت إلى أنه رضع منذ طفولته “الشرف”، وتتلمذ على أيدي “عشاق الوطن”، وتحوّل إلى “رمز للتضحية” من أجل الآخرين.

ما يقوم به الغربُ في الأيام الأخيرة من الحرب في أوكرانيا في مجالات السياسة والعسكر والاقتصاد، قدّم الدليل القاطع للذين مازالوا يعتبرون هذه البلاد بالمدينة الفاضلة التي لا يُظلم فيها أحد، على أن الغرب لا صديق له سوى نفسه، ولا عدوّ له سوى القادم من الشرق، فهم يعصفون ويرعدون ويمطرون، بسبب تجاوز أسعار النفط حاجز المئة دولار، وكانوا يُخزِّنون ويبتهجون عندما نزل إلى العشرين دولارا، وهم ينثرون التشكرات والتحية لكل من وصف الروس بـ”الهمج”، ويشدّدون اللهجة ضد كل من يقف على الحياد، ولا نقول يبارك ما تقوم به روسيا، وهم يمطرون براميل من الدموع على أطفال أوكرانيا البيض، وكانوا ومازالوا وسيبقون يُحمّلون الضحية وزر ما تتعرَّض له في فلسطين وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.

عندما اجتاحت إسرائيل في صيف 1982 لبنان، فقتلت ودمّرت وحققت هدفها في إجبار الكتائب الفلسطينية على مغادرة لبنان، ألقى الرئيس الجزائري الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد خطابا، اختصر فيه قوة إسرائيل في ضعف العرب، وقال إن التاريخ برهن بأنهم –أي العرب- لا يُحسنون التعامل مع الانتصار ولا مع الخسارة، وها هي أحداث أوكرانيا تبيّن بأنهم غير قادرين حتى على تسجيل ملاحظة عن تناقض الغرب في التعامل مع الدم ومع الضحية، ولهم في طرحهم آلاف الأدلة بالصوت والصورة، عن أطفال يموتون يوميا في غزة وفي غيرها من بلاد الشام، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا قلب حنّ، وعن أطفال جرحى في أوكرانيا، تُفتح لهم كل مسشفيات بلاد الغرب لأجل التكفل بحالتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!