-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشواء و”البركة”

الشواء و”البركة”

قال رئيس مشروع مركّب مدينة وهران الرياضي الجديد، الذي أضحى أكبر منشأة رياضية تمتلكها الجزائر خلال الأربعين سنة الأخيرة، بأن حفلة الشواء الجماعية التي أقيمت بين العمَّال الجزائريين والأجانب إنما جاءت خيرا وبركة، وأوحى في كلامه بأنَّ ما حدث هو هدية للذين ضحوا من أجل إنجاز هذا الصرح الرياضي الذي أخرج الجزائر من “ظلام” نقص الهياكل الرياضية إلى “نور” لعب الكرة على أصولها.

وعندما يكون تفكير مسؤول على مشروع يقال إن قيمته المالية الأولية قبل إكمال بقية الملحقات قد تجاوزت ألفَيْ مليار سنتيم، بهذا الشكل، فإنَّ بلوغ الجزائر الجديدة سيتطلب منا مزيدا من الصبر والكفاح أيضا، فالرجل تعامل مع المنشأة الرياضية وكأنها ملكُه الخاص، فأباح لنفسه طهي الشواء، وقدّم الهدايا للذين ظن بأنهم “ضحوا في سبيل الوطن”، وكلنا نعلم بأنهم أدوا عملهم وتقاضوا عليه أجرتهم كما يفعل كل العمال في الجزائر بين مجتهد ومتخاذل.

المنُّ في الجزائر صار من الأمراض التي تنخر روح العمل؛ فالأستاذ مقتنعٌ بأنه يحرق شبابه في سبيل التلاميذ، والطبيب لا يتوقف عن وصف نفسه بـ”الرحمة” التي تحلق في السماء لتهطل كالغيث على المرضى، وحتى لاعبو الكرة القدامى عندما تتم استضافتُهم في البلاتوهات لا يتوقفون عن تذكير الناس بتضحياتهم، والحقيقة أن الذي يكسب مالا مقابل ما يبذله من جهدٍ وعرق، لا يمكنه أن يتحدث بهذه الطريقة ولا أن يكافئ نفسه بسهرة شواء أو لعب الكرة على عشب الملعب، وإلا تحوّلت مدارسُنا وجامعاتنا ومستشفياتنا وثكناتنا وحقولنا ومصانعُنا إلى “شوّايات” ثابتة، تلتهب نارُها وتذبح قربها الخرفان، كلما قام أي عامل بإنجاز مشروع بسيط يتقاضى عليه أجرا من الدولة ثم يُكرم نفسه بنفسه من أموال الدولة طبعا.

لسوء الحظ ولحسنه أيضا فإن المشاريع في الجزائر تعمِّر حتى يُصبح تعداد من عمل فيها وترأس فرق العمل كتعداد دولة صغيرة، ولن نكشف سرا لو قلنا إن عدد وزراء الشباب والرياضة الذي حملوا الحقيبة منذ أن وضع حجر أساس إنجاز هذا المركب الرياضي إلى غاية اليوم لا يقلُّ عن سبعة وزراء، فلا وزير الرياضة الحالي ولا مدير الشباب والرياضة في وهران بإمكانهما الزعم بأن لهما فضلا في إنجاز المركَّب الرياضي، فما بالك برئيس المشروع، وما بالك أن يمنح لنفسه الحق في الاحتفال بالشواء ومنح عمال المشروع صفة لاعبي الكرة ليمارسوها على عشب تم استيرادُه من الخارج وكلف الخزينة أكثر من خمسين مليار سنتيم.

عندما نرى بعض المسؤولين وهم يتعاملون مع مشاريع منجَزة تابعة للدولة وكأنها قطعة من مملكتهم، ندرك بأن وضع البلاد على السكة، يتطلب مزيدا من التضحيات، لأن الذي يتعامل مع القطاع العمومي بهذه السلطنة والذهنية، قادرٌ على تحويل العباد إلى “خمّاسين” وعبيد في أرضه أو مشاريعه الخاصة لو سنحت له فرصة التملّك والزعامة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    المشروع الحقيقي الذي يأتي بالفائدة على المجتمع هو رَبط المؤسسات التربوية و المدارس الإبتدائية بكل الهياكل و المركبات الرياضية و إدماجها وفق برنامج محكم ليتسنى للطفل التعرف على مؤسسات الدولة الرياضية وهي تساهم في تربيته و الرفع من قدراته الجسمية و العقلية.