الرأي

الشّعب يريد..

ح.م

لا زالت الشقيقة تونس تصنع الاستثناء في العالم العربي منذ ثورة الياسمين التي كانت فريدة من نوعها مقارنة بما سُمِّي ثورات الربيع العربي، والتي بدأت سلمية وانتهت سلمية، وأعقبتها محاولات عودة الدولة العميقة التي دخلت في معارك خفية وأخرى معلنة مع القوى الثورية، وعلى الرغم من ظهور بؤر تطرف وعنف، تمكن التونسيون من صياغة نصوص وقوانين مكنتهم من التعايش رغم الاختلافات والتناقضات الإيديولوجية بينهم.

واليوم أثبت التونسيون مرة أخرى أنهم قادرون على صناعة الاستثناء سواء تعلق الأمر بالطريقة الراقية التي أداروا بها الحملة الانتخابية، وما تخللها من سجالات ظهرت جليا في أول مناظرة جماعية علنية لم تحدث في العالم العربي من قبل، إذ تبارز المترشحون بالأفكار والبرامج والرؤى بعيدا عن التخوين والشتم.

أمرٌ آخر صنع فيه التونسيون الاستثناء هو ظهور مؤسسات لسبر الآراء نجحت بشكل باهر في مَهمَّتها وأعطت توقعات كادت تكون مطابقة للنتائج الرسمية المعلنة، وهي سابقة في العالم العربي وحتى في الغرب الذي طالما استخدم مؤسسات سبر الآراء للتأثير في الناخبين وصنع الرأي العام.

وبعد أن انتهت المعركة الانتخابية، كانت النتائج المعلنة محل إعجاب هي الأخرى لما حملته من دلالات كثيرة على رأسها أن الشعب التونسي قال كلمته في المترشحين، ووضع كل واحد منهم في موقعه المناسب، عدا ما حدث مع المترشح السجين نبيل القروي الذي أتِّهم باستخدام المال الفاسد للتأثير في الناخب التونسي من خلال جمعيةٍ خيرية وزَّعت المساعدات على الفقراء في مقابل الأصوات التي وضعت القروي في المركز الثاني، متقدما على كل من رئيسي الحكومة والبرلمان ووزير الدفاع.

ومن الواضح أن نبيل القروي تواجهه عقبات كثيرة للوصول إلى كرسي الرئاسة على رأسها وجود مرشح نظيف جاء من الجامعة وعُرف بمواقفه المبدئية من القضايا الكبرى، ولا يمكن أن تسمح القوى الوطنية في تونس أن يفوز سياسيٌّ متّهم بالفساد محسوبٌ على نظام زين العابدين بن علي على بروفيسور مختص في القانون الدستوري.

وقد بدأت من الآن ملامح تشكل كتلة سياسية داعمة للمرشح قيس سعيَّد الذي يبقى بحاجة إلى قوى سياسية تؤازره وتنفذ مشروعه وتدعم خياراته، خاصة في ظل بوادر أخرى بتشكل ما يمكن أن نُطلق عليه “لجنة إنقاذ تونس” تنادى إليها شتات التيار اللائكي الذي يرفض أن يصل إلى الرئاسة مرشحٌ محافظ يعارض “حقوق المثليين” المزعومة، ويجاهر بمعاداة الصهاينة، ويرفض المساواة في الميراث.

مقالات ذات صلة