-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشّيطان الدّيموغرافي

الشّيطان  الدّيموغرافي

غرابة هذا العنوان من غرابة أصحابه، وهم بعض اليهود الصهيونيين، الذين وفدوا كالجراد المنتشر من شتى أصقاع العالم على فلسطين، ليغتصبوها من أهلها، ويحلوا محلهم فيها استنادا إلى ما سماه المفكر الفرنسي “الخرافات المؤسسة لإسرائيل”.

  • إن هؤلاء اليهود الصهيونيين يعنون بهذا المصطلح “الشيطان الدّيموغرافي”، ذلك النمو السكاني للفلسطينيين عموما، ولفلسطينيّي الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصا، وفلسطينيي الجزء الذي اغتصب في سنة 1948 بصفة أخص.
  • إن هذا النمو السكاني للفلسطينيين عموما، وفلسطينيي “الخط الأخضر” أي الذين صمدوا في الجزء الذي اغتصب في سنة 1948، هو الذي يقض مضاجع اليهود الصهيونيين، ويُطير النوم من عيونهم، ويطرد الأحلام من عقولهم، ويُزيل الأماني من نفوسهم، وهذا ما يفسر تلك الوحشية والبشاعة التي يقتل بها الوحوش الصهيونيون أولئك الفلسطينيين العُزّل، خاصة النساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ويهدمون بها بيوتهم الحقيرة، ويخربون بها مزارعهم الصغيرة، ويجرفون بها حقولهم الفقيرة، ألم يقل الله -عز وجل- لأسلاف هؤلاء الصهيونيين الذين لم يلدوا إلاّ فاجرا كفارا: “ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة”.
  • إن الرعب الصهيوني من النمو السكاني الفلسطيني ليس حديث العهد؛ بل هو ناشىء مع نشأة هذا الكيان الهجين في أرض فلسطين، وإن هذا الرعب ليس بمستقر، بل هو في نموّ مستمر.
  • لقد وضع اليهود الصهيونيون لمواجهة هذا “الشيطان الديموغرافي” الفلسطيني سياسة ذات ثلاث شُعب هي: 
  • ❊ إخلاء فلسطين كلها -من النهر إلى البحر- من أكبر عدد من الفلسطينيين، وذلك بالتقتيل، وهو أفضل، أو بالطرد إلى خارج فلسطين. 
  • ❊ ترغيب كل من فيه رائحة الصهيونية بالانتقال إلى فلسطين، والاستقرار فيها، بتقديم المنزل اللائق، وتوفير المال الكافي. 
  • ❊ تشجيع الولادات بين هؤلاء الغُزاة، ليكثر سوادهم، وتتضخم أعدادهم، استعدادا ليوم لا ريب فيه، وقد كان ابن غوريون، وهو أحد أكابر المجرمين الصهيونيين، وأول رئيس وزراء لهذا الكيان الصهيوني، يقول: “إن المرأة اليهودية الحقيقية هي التي تعطي إسرائيل أربعة أولاد على الأقل… لأن معركتنا الحقيقية هي في عيادات الولادة”. 
  • إن اليهود الصهيونيين يعلمون أن مقتلهم هو في قلة عددهم، ولذلك فهم يُجمعون -رغم اختلافهم- على رفض “حق العودة”؛ أي عودة الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم، وطُردوا من أرضهم.
  • وإن تعجب فاعجب لهؤلاء اليهود الذين أقاموا -بمساعدة إنجلترا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي- كيانهم بما سموه “حق العودة”؛ أي عودة اليهود إلى فلسطين، الوطن الموعود، كما تزعم التوراة والتلمود، ولكن هؤلاء اليهود وأولياءهم الذين يؤمنون بحق عودتهم إلى فلسطين بعد ثلاثة آلاف سنة من خروجهم منها؛ يكفرون بحق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، ولم يمض على إخراجهم منه إلا خمسون سنة، ومنهم من ما يزالون يحتفظون بمفاتيح ديارهم. 
  • إن اليهود يحاربون هذا “الشيطان الديموغرافي” بشتى الوسائل، ومنها إهمال الخدمات الصحية والبُنى التحتية ليكون الفلسطينيون عرضة للأمراض الفتاكة والأوبئة القتّالة، مع حرمانهم من الحد الأدنى من المياه الصالحة، وقد رأينا في عام 2006 عندما قصف حزب الله  -ردا على العدوان اليهودي- بعض المناطق في فلسطين المحتلة كيف أن المساكن والعمارات التي يقطنها اليهود مجهزة أحسن تجهيز بالملاجىء المريحة تحت الأرض، في حين لا يملك الفلسطينيون الذين يعيشون في تلك المناطق المقصوفة، ويحملون الجنسية الإسرائيلية أي ملجإ، ولهذا كانت كثير من الإصابات في صفوفهم.. 
  • إن من آخر ما تفتق عنه العقل الصهيوني الماكر لمواجهة هذا “الشيطان الديموغرافي” هو فكرة “يهودية إسرائيل”، أي أنه يُمنع العيش في “إسرائيل” على كل من ليس يهوديا.
  • ولست أدري إن كان للمسؤولين الأمريكيين عيون يبصرون بها، وآذان يسمعون بها، وعقول يفهمون بها؟ ولو كان لهم ذلك لصدّقوا واعترفوا بعنصرية إسرائيل، ولما اعترضوا على وصفها بذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مؤتمري دوربان الأول في جنوب إفريقيا، والثاني في سويسرا.
  • ومنذ أيام قليلة قدّمت فكرة شيطانية أخرى، وهي تدل على الرعب الذي يسكن في قلوب هؤلاء اليهود اللصوص، ويستولي على نفوسهم، وهذه الفكرة هي إجبار الفلسطينيين الذين يقيمون في فلسطين التي اغتصبت في سنة 1948؛ إجبارهم على أداء “يمين الولاء” لإسرائيل، ومولاتها على حساب وطنهم، وإخوانهم، ومن صور هذا الولاء لإسرائيل عدم ذكر “نكبة فلسطين”، والاستعداد للانخراط في الجيش الصهيوني لقتل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ولقتال العرب المحيطين بفلسطين إن نشبت حرب شاملة في المنطقة.
  • إن مما يزيد الأمر تعقيدا بالنسبة لمستقبل هذا الكيان الصهيوني الهجين الغاصب هو أن العناصر المكونة له تفتقد إلى عنصرين هامين في بقاء الشعوب وصمودها في وجه الشدائد، وهذان العنصران هما: 
  • ❊ الانسجام الاجتماعي
  • ❊ والسُّمك التاريخي.
  • فهذا الكيان المسمى إسرائيل يجمع أناسا قدموا من 102 دولة، ولكل مجموعة تقاليدها، وعاداتها، ولهجاتها.. وقد أدّى عدم الانسجام هذا إلى ما سُمّي “إشكالية الهوية في إسرائيل”، وأما السّمك التاريخي فإن هذا الكيان لم يبرز إلا منذ نصف قرن، وما هو إلا لحظة بالنسبة للتاريخ، وإذا كان المخطط الصهيوني قد بدأ “طموحا” بشعاره القائل: “أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى النخيل(❊)”، فإن هذا المخطط لم يتحقق، وقد بدأ العد التنازلي لنهايته، وإذا كان مرضى “عمى الألوان” لا يرون هذه النهاية، أو يرونها بعيدة؛ فإن أولي الأبصار يرونها قريبة، ومنهم الجنرال دوغول الذي قال عقب حرب 1967 التي استولت فيها إسرائيل على سيناء، والجولان، والضفة الغربية، وغزة: “إنه لا التاريخ ولا الجغرافيا في صالح إسرائيل على المدى الطويل”.
  • لقد تذكرت هذا كله وأنا أستمع إلى برنامج “مراجعات” الذي تبثه قناة “الحوار”، الذي استضاف الأخ الصامد رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر؛ أي الأرض الفلسطينية التي اغتصبت في سنة 1948، حيث قال وهو يعلق على المخطط الصهيوني لطرد الفلسطينيين -وربما بتشجيع من بعض العملاء العرب-: “إما أن نعيش على أرضنا سعداء، أو ندفن فيها شهداء.. ونحن على استعداد أن ندفع الثمن”.
  • إن ما يزيد إسرائيل همّا على همّ، وغما على غم هو أن هذا النمو السكاني في كل فلسطين ليس نُموّا كميا فقط؛ بل هو نمو كيفي، نوعي، لأنه ملقح بالمضادات الحيوية الإسلامية، ولهذا سماه بعض اليهود الصهاينة “القنبل الإيمانية”. فتحية حارة إلى إخواننا في فلسطين المجاهدة، ودعاء إلى الله أن يربط على قلوبهم، ويثبت أقدامهم، وينصرهم على عدوهم.
  •  
  • ————-
  •  
  • (❊) المقصود بالأرز لبنان، وبالنخيل غرب الجزيرة العربية.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!