-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصومُ صيامُ غزَّة

عمار يزلي
  • 169
  • 0
الصومُ صيامُ غزَّة

لم يعُد أحدٌ من المسلمين يختلف مع مسلم آخر بشأن معنى الصيام شرعا وعرفا وحتى فلسفة، لكننا نختلف كلنا في المعاملة والفعل وتطبيق فلسفة الصوم، اختلافا كليا أو جزئيا. يرجع ذلك إلى طبائع الناس كأفراد وأيضا كجماعات من حيث النشأة والتنشئة والتأثير والتأثر وسيطرة الأنفس النازعة نحو المادة التي تروِّج لها كل الأوساط حولنا وفينا ومنا، التجارية والاقتصادية والفنية. الكل بات يعرف أن رمضان قد تحول إلى شهر للإسراف في الأكل والشرب والسهر والتفنن في الفنون والملذات واللهو، وهذا كله تحت عنوان كبير “رمضان كريم”.

وإذا كان الإسلام لا يدعو إلى الإسراف في الاستهلاك، فإنّه لا يدعو أيضا إلى الإسراف في الجوع والعطش، مقابل لا شيء، وهذا صلب التناقض الذي يحدث معنا: “فرُبَّ صائم، ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”. الصيام لا يعني أيضا التهلكة بالنسبة للمريض وغير القادر، وكثير من المرضى خاصة مرضى السكري، يغالون في “الجوع والعطش” طمعا في الأجر والثواب دون أن يدركوا أنهم يُهلكون أنفسهم ويهتكون شرع وفلسفة الصوم والدين ككل.

الإسلام قَوام بين ذلك، والوسطية والاعتدال هو لب وصلب الدين وكل الأديان السماوية، وعلينا أن نعود للسنة النبوية الشريفة وصيام الأوائل من أصحاب الرسول الكريم في عهده ومن بعهده خلال النصف الأول من القرن الهجري الأول، لنرى فلسفة الدين والصيام كيف طبِّقت وكيف تمثلت.

عندما ننظر اليوم إلى موائد الإفطار حول العالم نفتخر بهذا الرِّزق ونحمد الله على نعمه الجليلة، ولكننا في الوقت نفسه نتساءل: هل الصيام هو الأكل؟ أم هو عكس ذلك تماما؟ هو السؤال الفلسفي ذاته الذي يعرفه الجميع، ويطبقه القليل: “نأكل لنعيش أو نعيش لنأكل”؟ الواقع اليوم يقول: في أغلب الأحيان ومع أغلب الناس مسلمين كانوا أم من ديانات أخرى أو بلا دين أصلا، إنما يعيشون ليأكلوا، وهذا سرُّ وفلسفة المجتمع الاستهلاكي الطاغي عالميا ضمن المجتمعات الرأسمالية أو التي تنتهج النهج نفسه حتى تلك التي تسير في طريق النمو أو ما يسمَّى الدولُ النامية.

إذا نظرنا إلى ما هو عليه سكان إخوتنا في قطاع غزة، خاصة في رمضان وكيف يفطرون على البقايا إن بقيت ووُجدت، وعلى حساء الأعشاب وخشاش الأرض، تحت الدمار ووسط الخوف من القصف العشوائي الهمجي المدمِّر الوحشي كل لحظة وكل دقيقة، نفهم كيف يكون الصيامُ مشقة فعلا: وضعٌ لا يتمناه أحد لأحد حتى للعدو، مع ذلك، فالصائم، ينبغي له أن يرى في هذه الوضع وكيف يصوم أهلنا في غزة المدمَّرة حتى قبل رمضان بسبب نقص وغياب الأكل والماء لأشهر وليس لشهر واحد فقط هو شهر الصيام، لاسيما إخواننا في شمال غزة.

لنعطِ لأطفالنا دروسا ومواعظ بأن يشاهدوا أهلنا في غزة وأطفالها وشيوخها ونساءها وشبابها وشيبها وهو يفترشون العراء ولا يفطرون إلا على أبسط الأشياء التي لا يرضاها أحدٌ منا: لنعلّم أطفالنا ألا يطالبوا كثيرا وألا يرفضوا هذه الوجبة أو تلك، أو ينتقدوا المائدة إن افتقرت لما لذّ وطاب، أو خلت من المشتهيات: عليهم وعلينا جميعا، أن نأخذ العبرة مما نرى ونسمع فتدمع أعينُنا أو قد لا تفعل، فهي لوحدها صورٌ تقضي على الشهية وتوقف الطعام في المريء. أن نمدَّ المائدة بكل المشتهيات وندَّعي أن “رمضان كريم” لأنه أباح لنا أن “نعيش لنأكل”، وهذا كله أمام مسلسلات رمضان الضاحكة والباكية، التي لا علاقة لها برمضان أصلا، فهذا هو صميمُ العمى والصَّمم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!