-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصوم يوطِّن النفس على الصبر والجَلَد

خير الدين هني
  • 193
  • 0
الصوم يوطِّن النفس على الصبر والجَلَد

صوم رمضان يوطّن النفس على الصبر والمصابرة والجَلَد والاجتهاد، وعلى الحزم والعزم والصرامة والجدّ والانضباط والمثابرة، وعلى مغالبة النفس؛ فلا تتبع الزيغ والهوى والنزوع نحو طلب الشهوة من غير طرقها المشروعة، ويجعل الفرد المسلم يقهر ذاته الأنانية ونوازعها وغرائزها الشريرة، ويبعدها عن حبها الشديد لِلأَثَرَة (حب الذات)، فلا يَضِنُّ (يبخل) عن الفقراء والمساكين، بما أنعم الله عليه من خير كثير ورزق وفير، فيبعد النفس عن البخل والشحّ والتقتير والضّنين (شدّة البخل).
الصوم يحول بين المسلم وبين إطلاق غرائز نفسه، بالتمادي في شهوة الإسراف والتبذير، في الطعام والشراب والاستمتاع بكل ما طاب ولذّ، بما يزيد على حاجة الجسم ورغبات النفس، وهذا مخالف لأحكام التشريع، لقوله -تعالى-: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) (الأعراف: 31)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُوا واشْرَبُوا والبَسُوا وتصدَّقوا من غَيْرِ مَخِيلَةٍ (كِبْر) وَلَا سَرَفٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِه، وقوله -صلى الله عليه- أيضا: “إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ”.
ويزداد الأمر سوءا حينما يسرف الصائم في المأكل والمشرب، وجاره يبيت على الطوى، أو على القليل ممّا خَشُنَ أكله وغلظ ملمسه ولا يلبي حاجة الصائم من لِينِ الطعام وشهِيِّهِ، فإن حدث ذلك انعدم أثر الصوم في سلوك الفرد المسرف، وهذا ما أشار إليه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيما ورد عن الطبراني وغيره، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”.
وهكذا نرى الصوم عبادة مقدّسة، تحثّ المسلم على البذل والعطاء والسخاء والتكرّم على الفقراء والمساكين والمعدمين، فيترفّق بهم ويحنو عليهم ويتلطّف بهم ويأخذ بأيديهم، فيطعمهم مما يطعم ويسقيهم مما يشرب، ويلبسهم مما يلبس ويتصدّق عليهم من فضول أمواله إن كان موسرا، أو ممّا جادت به يده إن كان متوسط الحال، كلٌّ حسب طاقته وسَعَتِه ويَساره، ((لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها)).
وهذا هو التآخي والتراحم والتكافل والتآزر، في أعلى الصور المثالية، وهو الذي أوصى به النبي -عليه الصّلاة والسّلام- في سنته القولية والفعلية والتقريرية، ويمثل الإيثار الحقيقي الذي أشاد به الحق سبحانه في قوله -تعالى-: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)) (الحشر: 9). والمراد بهؤلاء هم الأنصار الذين قاسموا إخوانهم المهاجرين أموالهم وديارهم ومزارعهم، وبعضهم كسعد بن الربيع عرض على أخيه عبد الرحمن بن عوف -بعد التآخي- التنازل عن إحدى نسائه ليتزوجها، عندما آخى بينهما النبي صلّى الله عليه وسلّم، والمهاجرون أصبحوا فقراء بعد الهجرة، لأنهم تركوا أموالهم ودورهم وعقاراتهم بمكة، عرضة للنهب والسرقة والسطو من المشركين الحاقدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!