الرأي

الصيرفة الإسلامية.. انتصارٌ آخر على التغريب

محمد سليم قلالة
  • 1443
  • 10
ح.م

تأسَّسَ أول مصرف يقدم منتجات وخدمات تراعي أحكام الشريعة الإسلامية في الجزائر سنة 1991، بالشراكة مع مجموعة البركة المصرفية، تلاه في سنة 2008 مصرف السلام بالجزائر العاصمة. وبين رافض ومؤيد ومشكك، استطاع هذا النوع من الصيرفة أن يفرض نفسه، ليس فقط في البلاد الإسلامية إنما حتى في الغرب. والأهم من كل ذلك أنه تَمكَّن مع تطوير أدائه ومن إيجاد حلول شرعية لكثير من المسائل الخلافية. ومازال الاجتهاد مستمرا في هذا الاتجاه إلى اليوم، لجعل ما استجدَّ من منتجات وخدمات مطابقا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.

ويُعَدُّ افتتاح شبابيك للصيرفة الإسلامية في البنوك العمومية الجزائرية خلال هذا الأسبوع، خطوة أخرى بالاتجاه الصحيح في معركتنا ضد التغريب، ذلك أن المال هو عصب الحياة الاقتصادية والسياسية. وبناء منظومات مالية متميزة عن تلك التي برزت في الغرب منذ قرون من شأنه أن يساهم في تصحيح القاعدة المادية التي تقوم عليها الدولة. ولا أظن أن المعركة التي يخوضها علماؤنا المختصون في الصيرفة الإسلامية وفي الأحكام الشرعية المتعلقة بها، بأقل شراسة من معركة الثقافة أو التعليم أو إرساء قواعد الدولة الأخرى…

وقد أعجبني البارحة تدخل الزميل البروفيسور محمد بوجلال عندما ركز على أهمية التكوين في هذا المجال، وهو صاحب نظرية الوقف النامي، التي دافع عنها منذ تسعينيات القرن الماضي، وإن شاء الله سيأتي دورها ذات يوم. باعتبار الوقف من أهمّ ابتكارات الخبرة الإسلامية في مجال الاستقلالية المالية لمؤسسات المجتمع والدولة، وقد حطّمته السياسة الاستعمارية، لولا حرص بعض الفئات المجتمعية وبعض الأفراد والمسؤولين على الإبقاء على هذا القطاع حيًّا.

وتبقى مسألة ثالثة تعدُّ من ركائز إعادة تأسيس الدولة الأصيلة والمعاصرة في المجال الاقتصادي والمالي، وهي المتعلقة بمؤسسة الزكاة وكيفية إعادة الاعتبار لها في نطاق إصلاح المنظومة الجبائية للدولة. ذلك أن كثيرا من أصحاب المال الملتزمين بإيتاء الزكاة، مازالت الآلية المطروحة حاليا أمامهم غير مقنعة، وهم في حاجة إلى مزيد من إجراءات تعزيز الثقة.

جميع هذه المسائل والمهام إذا ما تمت ضمن منظور متكامل لإعادة بناء اقتصاد وطني حقيقي متطابق مع قيم الأمة، وإذا ما واكبتها إرادة سياسية حقيقية، من شأنها أن تُعزِّز الثقة في إمكانية العودة إلى الذات الحقيقة المنطلقة من العمق الشعبي لبناء جزائر أصيلة حقيقة.

تبقى الآن المسؤولية الفردية قائمة علينا جميعا، للتفاعل مع هذا المسار وتعزيزه لكي نُثبت حقيقة أننا نملك البديل الأفضل، وأن إعادة بناء دولتنا على أسُس صحيحة، لا يُمكن أبدا أن يتم من خلال اللجوء إلى أنظمة سياسية أو مالية أو تعليمية أو أخلاقية غريبة عنها، إنما علينا الانطلاق من عمقنا التاريخي والحضاري، الذي بلا شك يحتاج إلى تنقية واجتهاد وعلماء يطوِّرونه في جميع المجالات، لبناء صرح دولة معاصرة حقيقة، ولكن في إطار المبادئ الإسلامية، الأمل  الذي استشهد من أجله الشهداء وعشنا نحلم بتحقيقه.

مقالات ذات صلة