-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصيرفة الإسلامية.. طوق نجاة للنظام المالي العالمي

محمد بوالروايح
  • 1036
  • 1
الصيرفة الإسلامية.. طوق نجاة للنظام المالي العالمي

الصيرفة الإسلامية هي جزءٌ من النظام الاقتصادي الإسلامي وهي في صورتها المعاصرة ثمرة من ثمار الجهود الكبيرة التي بذلها علماء الشريعة الإسلامية في تطوير النظام المالي الإسلامي من أجل مواكبة التطور المالي الذي شهده نظام المعاملات المالية على الصعيد العالمي. يعرف موقع “ميسرة” وهو موقعٌ يهتمُّ بالمالية الإسلامية ويعرّف الصيرفة الإسلامية بأنها “شكل من أشكال الخدمات المصرفية القائمة على مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تسمح بدفع أو استلام الربا (الفائدة) والتي تعتمد على مفهوم المشاركة في الأرباح والخسائر، وذلك كأساس للمعاملات المالية، ولذلك فإن العنصر الأكثر تميزا في الصيرفة الإسلامية هو حظر الفائدة، سواء الاسمية أو المفرطة، البسيطة أو المركبة، الثابتة أو العائمة”.

يعتقد كثيرون ممن ليس لهم ضلعٌ من مقاصد الشريعة الإسلامية والمالية الإسلامية بأن تحريم الفوائد البنكية من شأنه الإضرار بصاحب المال وهذا يناقض -حسب زعمهم- القاعدة الأصولية (لا ضرر ولا ضرار). إن تحريم الفائدة البنكية في نظام الصيرفة الإسلامية يعوِّضه ما يجنيه صاحبُ المال من طريق نظام المرابحة، وقد بيّنت أرقام المعاملات المالية الإسلامية أن منافع المرابحة الإسلامية أكبر بكثير من منافع الفوائد الربوية، وهو ما حفَّز كثيرين على اختيار الصيرفة الإسلامية، التي حققت نجاحا لافتا للنظر، ويكفي دليلا على ذلك –كما جاء في موقع “ميسرة” سالف الذكر أن “الصيرفة الإسلامية تقف اليوم على عتبة أكثر من تريليون دولار (ألف مليار دولار)، وتضم أكثر من أربعمائة مؤسسة مالية داخل العالم الإسلامي وخارجه، وتقدِّم خدماتها للمسلمين في المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية وكذا للأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية”.

لقد رفع نظام الصيرفة الإسلامية الغبن عن الجاليات والأقليات الإسلامية وحررها من غائلة المعاملات المالية المخالفة لتوجهاتها الدينية، ويعد هذا في حد ذاته مكسبا كبيرا لا يقدر بثمن.

لا يمكن أن نتحدث عن صيرفةٍ إسلامية إلا إذا كانت هذه الأخيرة مبنية على أحكام الشريعة الإسلامية، ومن هذه الأحكام تحريم الحصول على منفعة من غير جهد؛ فالأموال في النظام المالي الإسلامي لا تولد الأموال إلا إذا اقترنت بجهد مبذول وعمل معلوم، وعلى هذين الركنين تحدَّد قيمة المرابحة، لا أن يحصل صاحب المال على فوائد سنوية لمال ثابت غير متحرِّك. إن من أهم أسباب الإخفاقات التي مست كثيرا من المؤسسات المالية الربوية العالمية هي أن هذه المؤسسات وجدت نفسها مدينة بحكم العقد المبرم بينها وبين أصحاب الأموال بدفع ما يترتب عليها من فوائد بنكية في الوقت الذي لا تعتمد فيه هذه البنوك على مشاريع استثمارية تمكِّنها من تحقيق التوازن بين الفوائد المدفوعة والأرباح المحصلة، وهو ما جرَّها إلى الإفلاس القسري، ولتفادي هذه النهاية غير المرغوبة، لجأت هذه المؤسسات المالية إلى حل اضطراري وهو تشجيع وتنويع طرق الاستثمار والتخلي عن صيغة البنوك الجامدة غير الاستثمارية، ولكن أعتقد أن الحل الأمثل هو في اعتماد البديل الإسلامي وتعويض مبدأ الفوائد البنكية بمبدأ المرابحة من أجل ضمان الاستمرار والاستقرار المالي للمؤسسات المالية.

ومن هذه الأحكام أيضا تقاسم المخاطر؛ وهو تفعيل وتجسيد عملي للقاعدة الأصولية “لا ضرر ولا ضرار”، إذ لا يتعرّض أي طرف من الأطراف إلى الغبن، وقد شكَّل هذا المبدأ حافزا كبيرا لزيادة التوجه إلى النظام المالي الإسلامي من قبل الأفراد والجماعات والمؤسسات.

ومن هذه الأحكام أيضا تعزيز حركة الخدمة العامة، وهذا نابع من حرص الشريعة الإسلامية على المصلحة العامة التي تضمن الحفاظ على الكل المشترك ولو بالتضحية -إذا اقتضى الأمر- بالجزء أو توزيع الأعباء على جميع الشركاء من أجل إنقاذ الكل المشترك.

ومن هذه الأحكام أيضا قيام الصيرفة الإسلامية على الاستثمار في الحلال والابتعاد عن الاستثمارات المحرَّمة أو المشبوهة التي لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وفلسفة الاستثمار هذه التي تقوم عليها الصيرفة الإسلامية هي شكلٌ من أشكال أخلقة العمل المصرفي وتجسيد المبدأ الإسلامي “إن الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيّبا”، فالشريعة الإسلامية لا تنظر إلى المعاملات المالية نظرة مادية رقمية، ولا تنظر إلى المال على أنه رقمٌ حسابي يزيد أو ينقص، وإنما تنظر إليه نظرة شمولية، إذ لا فائدة من النجاح المادي إذا كان ذلك على حساب الأمن المجتمعي، فالاستثمارات المطلقة غير المقيدة في النظام الربوي الغربي جلبت مشكلاتٍ وآفاتٍ اجتماعية كثيرة، فالاستثمار في الخمور أنتج مجتمعا منفلتا أخلاقيا، والاستثمار في لحوم الخنزير أنتج مجتمعا منهَكا صحيا، والاستثمار في التبغ وما شاكله أنتج مجتمعا متهالكا، وكانت النتيجة الصادمة أن فاتورة الإنفاق على الصحة العمومية قد فاقت في بعض الأحيان حجم الأرباح المحققة.

ومن هذه الأحكام أيضا أن الصيرفة الإسلامية قائمة في جانب من جوانبها على تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وذلك من خلال تأسيس مصارف الزكاة الشرعية، وهو ما تفتقد إليه البنوك الربوية لأنها تركز على مبدأ المنفعة الشخصية أو المؤسساتية ولا تعير اهتماما لمسألة التكافل الاجتماعي، وهو ما جعل منها بنوكا صمَّاء لها نطاق تركيز محدود ولا تفكِّر في ما وراء ذلك.

إن الصيرفة الإسلامية هي طوق النجاة للنظام المالي العالمي الذي يعاني شروخًا واختلالاتٍ كثيرة سببها المباشر المعاملات الربوية التي أدت إلى التضخُّم الذي أدى بدوره إلى الإفلاس المحتوم، والتخبُّط الظاهر الذي هو صورة حقيقية لما حذر منه القرآن الكريم: “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطانُ من المس”. إن التخبط الذي يعاني منه النظام المالي العالمي إنما هو نتيجة للصدود عن المنهج الرباني، يقول الله سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله”. إن التحذير القرآني الشديد من عاقبة الربا موجَّهٌ لإلى المؤمنين في حالة إصرارهم وعدم تخلُّصهم مما بقي من الربا، ويكون التحذير أشد من باب أولى لغير المؤمنين ممن غرقوا في حمأة الربا إلى أذقانهم.

إن الصيرفة الإسلامية هي طوق النجاة للنظام المالي العالمي وهي الحقيقة التي تؤكدها شهادات بعض الاقتصاديين والماليين، ولا بأس أن أسوق هنا شهادة (رودني ويلسون) أستاذ اقتصاد وخبير مصرفي بريطاني كما جاء في ورقة بحثية محمد النوري والمقدمة للدورة التاسعة عشر للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بعنوان: “التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا: المسارات، التحديات والآفاق”، يقول (رودني ويلسون): “إن البنوك الغربية في حاجة اليوم إلى إرشاد أخلاقي؛ ذلك لأن الجشع وانعدام الأخلاق هما اللذان تسبَّبا في الأزمة العالمية الحالية، وأن الصناعة المصرفية الإسلامية بنظامها الأخلاقي المتميز يتمخض عن إبراز وجه الإسلام الإيجابي”.

لابد أن أعرِّج باختصار في نهاية هذا المقال على واقع تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر، فقد أثبتت هذه التجربة نجاعتها، إذ اتسع نطاقها في السنوات الأخيرة بعد أن كانت محصورة ومقصورة على “بنك البركة” الذي عرف صعوباتٍ –حسب بعض الدراسات- في السنوات الأولى من تأسيسه ثم سرعان ما تدارك ذلك وحقق انتعاشا ملحوظا، كما جاء في دراسة لسليمان ناصر من جامعة ورقلة بعنوان: “تجربة البنوك الإسلامية في الجزائر: الواقع والآفاق من خلال دراسة تقييمية مختصرة”، فحسب صاحب الدراسة، فإن هذا البنك الإسلامي حقق حجم أرباح معتبرًا مقارنة بنظرائه من البنوك التقليدية.

نثمِّن تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر، ولكننا نؤكد ضرورة استمرار التنسيق بين الفريق الشرعي ممثلا في الكفاءات الشرعية والفريق الإداري ممثلا في إدارة البنك، وأي إخلال أو إهمال لهذا التنسيق سيؤدي حتما إلى ضياع فرصة الاستفادة من تجربة الصيرفة الإسلامية أو يؤدي على أقل تقدير إلى تمييعها أو تعطل آلياتها، وكلاهما نتيجة غير مرغوبة لا نتمنى حدوثها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جلال

    وردت مرويات عن عمر إنه ( أحتار في الربا وتمنى لو أن النبي بيّن شأنه) أتى الفقهاء بعده ليغوصوا فيما لم يقف عمر على حقيقته, فهل هم أكثر علما منه كصحابي جليل؟ الربا مما أختلف عليه قال ابن حنبل إن ربا القرآن اختص بربا النسيئة ومن باب سد الذرائع الحقوا به ربا الفضل وتوسعت الإجتهادات بعدها والحق فقهاؤنا الفائدة بالربا, من هو المرابي إذن: البنك الذي أقرضك المال بشروط أم أنت الذي وضعتك مالك في البنك وحُدِّدت الفائدة بشروط أيضا فمن الآثم في هذه الحالة ؟ المؤسسات البنكية هى حلول لا يمكن الإستغناء عنها في ميادين التجارة وتبادل المنافع بين الأشخاص والبلدان وضمان الحقوق قانونيا وقضائيا فلا داعي للتحايل على الناس بتبديل مصطلحات, يبيعك البعض إعتمادا على الآية(احل الله البيع وحرم الربا) سلعته بربح 200 في المائه فهل يعتبر هذا ربا أم لا؟ فقط أكتب كلمة اسلامي على أي شيئ حتى يصير حلالا وكفى المؤمنين شر الحرام, حتى أنه وياللمفارقة كتب في بعض الدول (الإسلامية) على علب السردين منتوج (حلال)