-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الطبع والتطبيع!

الطبع والتطبيع!

لا أدري لماذا يصرّ الساسة والإعلاميون وعامة الناس، على وصف “قصة الحب” التي يتابعونها بفصولها الوقحة، بين المخزن والصهيونية، وليس بين المغرب واليهود، بالتطبيع؟ التطبيع لغويا في معجم المعاني يعني جعل العلاقات مع العدوّ عادية، ومن طبّع بطباع الناس فقد تخلّق بأخلاقهم، وواضحٌ بأن ما حدث ويحدث وسيتواصل حدوثه بين المخزن والكيان الصهيوني، هو أمرٌ لا علاقة له بالتطبيع، حتى إننا نكاد نقول ونجزم بأن الكيان الصهيوني هو من طبّع مع المخزن وليس العكس، على شاكلة النكتة التي تحاكي ضجر إبليس من الأفعال المشينة لبعض الناس، واستقالته من مؤسسة الشرّ بعد أن وجد من هم أشرّ منه.

قصص الحب الشهيرة تمرُّ بفصول فيها من العذاب والجفاء أو على الأقل بمراحل زمنية ذكرها أحمد شوقي في بيته الشعري الشهير: “نظرة فابتسامة فسلام // فكلام فموعد فلقاء”، ولكن في حكاية المخزن مع الصهاينة انتقلت الحكاية مباشرة إلى ما بعد اللقاء، وأكيد أن الذي يدخل في اتفاقيات عسكرية متشعِّبة، إنما عاش في حياته كل مراحل الحب في السر والعلن، على مدار عقود طويلة، وليس من باب المرحلة، كما يحاول بعض المباركين للعشق الممنوع أن يفسّروه، خاصة عبر نظرية ظلم الجار الذي جعلهم يرتمون في أحضان الخيانة، وهو عذرٌ ليس أقبح من الذنب فقط، وإنما أحقرُ وأرذل وأقذر من هذا الذنب، الذي يجب أن لا نسمّيه تطبيعا، لأنه أبعد ما يكون عن التطبيع بحسب شرح معجم المعاني.

نحفظ منذ عقود المثل القائل إن الطبع يغلب التطبّع، وهو في الأصل يُطلق على الإنسان المخادع الذي يظهر على حقيقته في المواقف الحاسمة، لأجل ذلك بمجرد أن هبّت بعض الرياح في المنطقة، تغلّب طبع المخزن على ما ظنه البعض تطبُّعا، وأطلقوا بالخطأ على ما حدث في الفترة الأخيرة من اتفاقيات بين المخزن والصهاينة، وصف “التطبيع”، وهو في الأصل طبعٌ بنى عليه وبه المخزن مملكته وبنى عليه الصهاينة كيان إسرائيل في أرض فلسطين، ولأن شبيه الشيء منجذب إليه حدث اللقاء، من دون نظرة وابتسامة وسلام، ولا كلام وموعد، كما جاء في النظرية الغرامية لشاعر الأمراء أو أمير الشعراء أحمد شوقي.

زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى قبريْ الملكين السابقين محمد الخامس والحسن الثاني بمباركة الملك محمد السادس، من المفروض أن تكون ملخصا لحقيقة الحب الأزلي بين كيانين ما كانا ليلتقيا من دون أن تجتمع فيهما نفس الصفات، وعندما تقول مواطنة مغربية أعماها الحب الذي لم يكن في قصة المخزن والصهاينة أعمى، بأن “الجزائر أشد شرّا من الصهيونية؟!” فإننا نكون قد أخطأنا عندما وصفنا ما حدث مؤخرا وسيحدث مستقبلا بالتطبيع، فهو مختلفٌ تماما عن التطبيع الذي شهدناه من عهد كامب ديفيد مرورا بما بعد معاهدة أوسلو، ووصولا إلى هذا الزمن البائس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!