الرأي

الطبيب وعزرائيل

عمار يزلي
  • 2867
  • 9

علاج المستشفيات “المريضة”، والذي فيما يبدو قد دشنه الوزير بوضياف، الكل يتمنى ألا يبقى مجرد “حملة ضيف” عابرة، لأن الوزير قد وضع يده على “الجرح”: بعض العيادات- والعياذ بالله- والتي ولدت من رحم المستشفيات العمومية (من أجل تعميم المرض وليس علاجه)، مثلما خلقت برجوازيتنا “الوطنية” من رحم البنوك الوطنية، بأموال الشعب والدولة “الوطنية”! صارت هذه العيادات تنافس المرافق العمومية في إفقار الفقير وإغناء الغني: الغني هو من يجد له سريرا في المستشفى العمومي وكل أنواع الخدمات الصحية من سكانير وإيآرام وفحوص وتحاليل، فيما لا يجدها الفقير إلا خارج المستشفى، في العيادات أو المخابر الخاصة. لا أريد أن أتحدث عن الفساد وبيع الأدوية والأجهزة الطبية والمتاجرة بالدم.. لأن ذلك سيصعد عندي من ضغط الدم المتصاعد ديجا!

نمت، لأجد نفسي جراحا في عيادة، أتعدى فيها 50 مليونا يوميا، إضافة إلى 15 مليونا مصروف الجيب (شهريا) من المستشفى الذي أعمل به، ولا علم لي به. المدير يغطي عملي وأنا أغطيه عند جماعة “الفوق”، والمال سيد الأعمال! اليوم، قمت بمساعدة سيدنا عزرائيل!: عشر عمليات جراحية، لا أحد عاش بعدها! زائدة دودية، غير ملتهبة عند شابة في الثلاثين، نزعت معها أجزاء من القولون، فصار فيه مضاعفات. نزعنا قليلا من المعدة ثم الكبد، ثم الطحال وبعض الحاجات الزائدة من قطع غيار تالفة أو قد تتلف مثل البنكرياس، ورحم ومهبل. صباحا، خيطنا مريضا وهو حي يرزق، لأن التخدير الموضعي لم يشتغل. المريض هبلني بالصراخ، ضربت جد أمه ببونية للعين باش عاد كملنا الخياطة. مات من الصراخ وليس من العملية. حتى العين التي عميت من الضربة، كان من الممكن أن تشتغل، وحتى إذا لم تشتغل، عنده واحدة أخرى! على العاشرة، وفاة طفل فوق السرير بعدما فتحنا جمجمته، لأن الممرضة قرأت الراديو مقلوبا: كان عنده ألم في القدمين وهي قالت لي إن عنده كونسير في المخ! على الواحدة، لم تنج امرأة في الخمسين من الموت المحتوم، لأن مرضها كان خطيرا! عندها المرارة! نزعنا المرارة فانفجرت في الداخل. وعندما أردنا أن نغسل الأمعاء، نسيت في بطنها القفاز والستيلو وشوية صرف و10 ملايين دوفيز، طاحولي من جيب القميص. فتحناها “ديرجانص” (لاسترجاع المبلغ) فماتت حزنا، بعدما كادت تموت فرحا بالدراهم في بادئ الأمر!

وأفيق وأنا أصرخ من جراء مغص في بطني: ما تدونيش، باغي نموت في داري.. وباطل بلا دراهم!

مقالات ذات صلة