الرأي

الطعن في المقدسات.. هل أصبح ثقافة؟

سلطان بركاني
  • 3462
  • 29

على غرار الانحدار الذي تعرفه الساحة السياسية، ابتُليت الساحة الثقافية الجزائرية بكُتاب وروائيين سطوا على المشهد الثقافي وتصدروه، فلا تكاد تُذكر الثقافة في هذا البلد المسلم إلا وهي مقرونة بأسمائهم؛ لم يتبوءوا المكانة التي أقحموا فيها بجودة بضاعاتهم، ولا بكثرة الطلب على إصداراتهم، ولكنْ بقوة وساطاتهم، وجرأتهم على كسر “الطابوهات” والطعن في المقدسات.

فُتحت أمامهم كل الأبواب، وأتيحت لهم كل الفرص، لينادوا بحرية الحديث في ما تحت الحزام، وحرية مناقشة مسلمات الدين؛ في الوقت الذي يضيقون ذرعا بحرية المجتمع في التمسك بشرائع دينه وإظهار شعائره، وحريته في الإقبال على القنوات الدينية والكتب الإسلامية، فهذا الحق بالنسبة إليهم ينبغي أن ينظر فيه، لأنه دليل على   الظلامية والتخلف“.

وعندما رأوا أن المطالبة بإبعاد الدين عن الحياة تلقى استهجانا كبيرا في المجتمع، لجأ كثيرٌ منهم إلى أساليب غير مباشرة لتحقيق الغرض؛ فتارة ينادون بالتفريق بين النصوص الشرعية القطعية والنصوص الظنية، وهذا حق يريدون به باطلا، لأن غايتهم أن تصبح كل النصوص ظنية قابلة للرد، وتارة يدعون إلى التفريق بين النصوص وفهم النصوص، بل بين الدين وفهم الدين، وأي كلام ـ وإن كان من المسلمات المتواترة المجمع عليها ـ يَحق لهؤلاء الكتاب أن يصنفوه في خانة الفهم الشخصي للنصوص، ليردوه ويجلبوا عليه بخيلهم ورجِلِهم، وتارة ثالثة ينادون بالتفريق بين الاعتدال والتشدد، بين الإسلام المعتدل والإسلام المتشدد، والمرجع في التفريق بين الوصفين هو ما يعجبهم وما لا يعجبهم، فقد يكون الحديث عن فرضية الحجاب مثلا تشددا في موازينهم، وكل من ينكر جرأتهم على مسلمات الدين فهو حسب تصنيفاتهم متشدد رجعي متخلف، ودائرة التشدد عندهم في اتساع مستمر!.

سلم الفاشلين للوصول إلى القمة

كتابنا هؤلاء لو ألفيناهم يقدمون حلولا واقعية للمشكلات التي يتخبط فيها المجتمع كما يفعل نظراؤهم في الشرق والغرب، لرفعناهم فوق رؤوسنا، لكننا لا نسمع لهم ركزا في ميادين البحث العلمي والفكر البناء، وإنما نراهم لا هم لهم إلا البحث عن الأضواء، والترويج لثقافة لا تحمل أي قيمة إنسانية أو حضارية، ثقافة أجساد وأسِرة وشهوات ليل؛ ثقافة تراوح بين بلوغ الغاية في العزف على العواطف والشهوات والإغراق في وصف الأجساد، وبين الصفاقة في همز الدين ولمز أتباعه والاستهزاء بشعائره؛ وليس لها من هدف سوى السعي الحثيث للانحطاط بالمجتمع إلى دركات تترفع عنها الأنعام.

هؤلاء الكتاب يعلمون جيدا أن الوصول إلى القمة يمر عبر طريقين؛ أحدهما الإبداع الفكري النافع الذي يترك أثرا طيبا في دنيا الناس، وثانيهما التطاول على الثوابت، ويعلمون جيدا أن كثيرا من الكتاب العرب الذين أحرزوا الجوائز العالمية وسُلطت عليهم الأضواء، لم ينالوها مقابل إنتاج فكري نافع، وإنما حازوها تكريما لهم لجرأتهم على الدين ومسلماته، وعلى تقاليد مجتمعاتهم المتماشية مع الدين؛ حينما علم كتابنا هذه الحقيقة اختار بعضُهم الطريق الأقصر الذي يعفيهم من عناء إجهاد العقل في البحث والتفكير.

هذا مثلا أحد الكتاب الجزائريين، ممن لا تزال تقام الملتقيات وتعقد الندوات لإحياءمآثرهوالترويج لـتراثه، قال إنالمآذن هي الصواريخ التي لا تنطلق، وقال عن المؤذنين إنهمكلابُ الدوار، وأوصى في أواخر أيام حياته أن لا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين، حتى قال في حقه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “لقد عاش مخاصما لربه، لم يذكر دينه يوما بخير ومات ميتة جاهلية، هذا الكاتب لا يزال مُثقفونا يدافعون عنه بشراسة ويرفضون أي انتقاد لمنهجه الماركسي.

كاتبة وروائية جزائرية أخرى سُلطت عليها الأضواء من كل حدب وصوب، تعتز بأنها أول روائية عربية تنال عضوية الأكاديمية الفرنسية، وتكتب رواياتها باللغة الفرنسية، وترفض رفضا قاطعا أن تُترجم إلى اللغة العربية، لأن العربية بالنسبة إليها أحقرُ من أن تَكتب بها رواياتها التي تدور في فلك الدعوة إلى تحرير المرأة من سطوة الدين ومن العادات والتقاليد.

نالت هذه الكاتبة جائزةالسلامالأدبية في ألمانيا عام 2002، ولم تتلق أي اعتراض على تكريمها، في الوقت الذي يذكر المهتمون بالشأن الثقافي كيف أن المستشرقة الألمانية المنصفة آنا ماري شيمل، حينما مُنحتِ الجائزةَ نفسها سنة 1995، لاقت معارضة شديدة، لا لشيء إلا لأنها أنصفت الإسلام وقالت فيه كلمة حق وعدل.

كاتبٌ آخر، من أصول جزائرية، أصدر مؤخرا رواية عنوانهامورسو.. تحقيق مضاد، قال فيها عن القرآن الكريم: “الكتاب الذي أجد فيه لغوا غريبا، ونحيبا، وتهديدات، وهذيانا، يجعلني أشعر بأنني أستمع إلى حارس ليلي عجوز وهو يهذي…”؛ هذه الرواية قفزت بهذا الكاتب من دون مقدمات إلى العالمية، وسلطت عليه أضواء الإعلام الفرنكوفوني والمؤسسات الثقافية العالمية، وحاز جوائز أدبية كثيرة منها جائزة القارات الخمس للفرنكوفونية.

وما قيل عن هؤلاء، يقال أيضا عن كثير من الكتاب الذين احتكروا المشهد الثقافي وصاروا الآمر والناهي فيه؛ وأصبحت لهم الكلمة الأولى في تقييم ومحاكمة غيرهم من الكتاب والأدباء وحتى العلماء، فصنفوا أنفسهم على أنهمدعاة تحررفي مقابل علماء الدين الذين يصفونهم بأنهمدعاة رجعية وتخلف، وما دروا أن الرجعية والتخلف ألصق بهم من غيرهم، لأن ثقافتهم وأفكارهم توقفت بهم عند القرن الخامس عشر الميلادي، فهُم في هجماتهم المتواصلة على ثوابت الإسلام، يريدون استنساخ الثورة الثقافية التي قامت في أوروبا ضد سطوة الكنيسة.

 

لقد فات هؤلاء أن الإسلام الحق غير النصرانية المحرفة التي استعبدت الناس لرجال الكنيسة الذين حاربوا العلم، وفاتهم أنمارتن لوثرمنظر الثورة الثقافية على الكنيسة في القرن الخامس عشر، والذي كانت أفكاره وقودا للثورة الفرنسية فيما بعد، أكد كثيرٌ من الباحثين أنه كان متأثراً بما قرأه للفلاسفة العرب والعلماء المسلمين من آراء في الدين والعقيدة والوحي.

مقالات ذات صلة